مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

حكاية الأستاذ منير..مدرس اللغة الانجليزية بمدرسه الروضه ببئر العبد وكيف تابع الحادث من السعودية

8

جنوب سيناء – سامى نجاح:

كأي مغترب، جلس منير الهوارى، ٣٨ عامًا، مدرس لغة إنجليزية، ترك قرية الروضة فى بئر العبد قبل سنة، وذهب فى رحلة عمل إلى السعودية، داخل حجرته فى مسكن المُعلمين المغتربين، يوم إجازته، الجمعة، يجرى عدة اتصالات هاتفيّة بالأهل والأحباء فى وطنه، مرَّت المكالمات المُشبعة بالحنين، حتى جاء صوت أحد أقاربه على الناحية الأخرى من الهاتف، قلقًا: فى عدد كبير من عربيات الإسعاف متجه ناحية الروضة.

انتهت المكالمة. بدأ منير يفتّش عما يحدث فى قرية الروضة، حتى وجدَ تدوينات لبعض الأصدقاء على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك عن مجزرة حدثت داخل القرية، لم يصدق عينيه، اتصل على الفور بزوجته التى تعمل فى المدرسة الثانوية بالقرية، تركته للحظات ثم عادت لتقول: فى انفجار ضخم حصل فى مسجد القرية.

أخذ منير يسأل عن طلابه وزملائه من المعلمين، داخل مدرسة الروضة الثانوية، التى عمل بها قُرابة ٦ سنوات، قبل سفره للخارج، حتى أصبح واحدًا من أهالى القرية، وليس مجرد مدرس مُنتدب من قرية السادات التى تصطف على الطريق الدولى العريش- قنطرة، وتبعد عن الروضة بأكثر من ١٠ كيلومترات.

سألت زوجتي عن الطلاب وزملائي المدرسين، كل ما اسأل عن شخص تقولى استُشهد، بحسرةٍ استقبل منير نبأ وفاة نصف مدرسة الروضة الثانوية تقريبًا، ضمن ٣٠٥ شهداء، حسب بيان النائب العام، بدءًا من مدير المدرسة، محمد سليم، مرورًا بمعلمى الرياضيات، العلوم، الطلاب، وحتى عم يوسف أحد العمال بالمدرسة ظلّ يسأل متمسكًا بأمل ضعيف، إلى أن قالت زوجته: المدرسة كلها ماتت

قد يهمك ايضاً:

“وزير الدولة للإنتاج الحربي” يتفقد خمسْ شركات…

الطلبة دول أنا درست لهم وأخذوا من عمري كلمات رددها منير بصعوبة بالغة، عندما سأله زملاؤه المغتربين عما حدث فى الروضة، متذكرًا يومياته فى تلك القرية الهادئة،

اهل الروضة ناس طيبة وطباعهم نفس طباع أهل البدو، حتى مع قدوم المدرسين من محافظات الوادى إليهم، مع بداية التسعينيات، كانوا بيحسنوا معاملتهم، عاشوا فيها واعتبروها بلدهم.

وقت الامتحانات، كُنا نقعد فى تصحيح الأوراق لحد بالليل، أهالى القرية كانوا يقدموا لنا الفتة البدوى يقول منير متابعا:كُنا معتادين كل يوم اتنين وخميس وجمعة، الأهالي يطلعوا ولائم لكُل الناس من دار الضيافة اللى جنب المسجد، والناس كلها تأكل وعابري السبيل.

رغم هدوء القرية الذى يصفِه منير إلا إنه يتذكر خلال زيارته العام الماضي، التأمينات التى كان يُجريها أهالى القرية حول منافذ الدخول والخروج، الأمر الذى اندهش منه، حتى أخبره أحد الطلاب عن تهديدات تصل للأهالى، وتستهدف مسجد الروضة تحديدًا، حسبْ شهادته.

مختبئًا من مرارة الحادث الأليم، أخذ يبحث منير عن كل ركنٍ دافئ فى ذاكرته يخُص قرية الروضة، يُقلب عينيه بين صور الطلاب والمدرسين داخل أسوار المدرسة، ربمّا بقى أحدهم على قيد الحياة، ولكن بدون فائدة، جميعهم رحلوا.

لم يتبق سوى الذكريات وتسجيل صوتى تركهُ أحد الطلاب الذين استشهدوا، يُدعى عبد الخالق مصطفى، يُلقى فيه قصيدة بعنوان سيناء تتضمن كلمات حماسية، تقول:سيناء ضحت بالنفيس سعيدة من أجل مصر كى تظل يانعة كأنه يشعر بمصيره، ظل الطالب يردد بنفس النبرة الحماسية مهما علونا للترابٍ ميعادنا، والروح حتمًا للمهيمن راجعة، سيناء صومعة الآمال لمصرنا.

 

اترك رد