مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

جوامع مهجورة والطريق لإعادة إحيائها

12

بقلم الكاتب – اسعد عبد الله عبد علي

 

أتذكر جيدا فترة التسعينات والحصار, سنوات عجاف لولا رحمة الله وجهود ابي لما تجاوزناها, كنت اسكن في حي فقير في ضاحية بغداد الشرقية, وكان وقتها لا يضم الا حسينية صغيرة جدا في بيت رجل عجوز, حيث خصص جزء من بيته كمكان للصلاة لأهل الحي, وكانت هذه الغرفة الصغيرة هي مكان لجميع أهل الحي, لكن بعد سقوط نظام العفالقة ارتفع عدد الجوامع والحسينيات بشكل كبير جدا, حيث غابت الضوابط, وتحولت بعض الجوامع لصبغة السياسية معينة, فلم تعد تؤدي رسالتها الأساسية.

 

وبعد مسيرة الأيام المضطربة تحولت الكثير من الأماكن القديمة والجديدة ( جوامع أو حسينيات) الى أماكن مهجورة! لا يصلي فيها الا شخوص معدودين, بل حصل نوع من الانتكاسة الاجتماعية او الغرق بالعولمة, او لنقل انكشاف الاقنعة, فالغريب ان يلتزم المجتمع بالأمور الشكلية من الدين متجاهلين اللب, والمتمثل بالسلوك الإنساني القائم على المبادئ الإنسانية السامية, والدعوة للدفاع عن الحق, والسعي لتحقيق العدل, وهكذا حصلت الفجوة.

 

وأنا أفكر كيف يمكن إعادة الروح لاماكن العبادة التي تمثل جزء من ذاكرة الأمس, صادفتني قصة ذات فكرة, في صفحات كتاب قصص وخواطر, وهي:

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب: أحلام ضائعة

” كان المحدث الكبير الشيخ عباس القمي صاحب كتاب مفاتح الجنان, في درجة عالية من الإخلاص والتقوى, وكان المؤمنون يحرصون على ان لا تفوتهم الصلاة خلفه, فانتهز المرحوم القمي هذا التعاطف لخدمة المساجد وإحيائها وأعمارها, فكان يقيم صلاته في احدى تلك المساجد القديمة المهجورة, وعندما يكتظ المسجد بالمصلين تقوم ثلة من اهل الخير بالتبرع لأعمار ذلك المسجد القديم وترميمه, وما ان يتم إصلاحه حتى ينتقل سماحته لمسجد اخر ولنفس الهدف, وبهذه الطريقة احيى عباس القمي عددا كبيرا من المساجد المهجورة”(1).

اليوم المجتمع يعيش انتكاسة نفسية, نتيجة خيبة الأمل من الأحزاب الدينية, واستغلال الشعارات الدينية والمناسبات لتكريس وضع ينفع المتسلطين, مع غياب تطبيق روح الدين مما زرع الياس, وهذا ما جعل بعض الجوامع يهجرها المصلين, لذا نحتاج الى نخبة دينية واعية غير متحزبة, تتنقل بين تلك الجوامع لإعادة الروح لها, مع اهمية تغيير اسلوب الخطاب الديني, والذي اثبت بالدليل غياب تأثيره الحقيقي بالمجتمع, فمع كثرة الجوامع وارتفاع كبير بعدد طلاب الحوزات الدينية, لكن المجتمع انحرف مساره وتحول لمجتمع الغابة تحكمه مفاهيم لا تنتمي للدين او العدل.

 

واتمنى من المرجعيات الدينية الصالحة ان تكلف أساتذة الحوزات والإعلام, بزيارة القاضية والنواحي, والإقامة فيها لغرض الوعظ والارشاد, والصلاة في الجوامع المهجورة والصغيرة والمنسية, بل التنقل بين جوامع تلك المناطق, والتواصل مع الناس, والنقاش معهم حول مشاكلهم, والسعي المشترك للوصول للحل.

هكذا يمكن ان يتغير الحاضر, حيث تعود الثقة للمجتمع برجال الدين, وتعود الروح لتلك الجوامع المهجورة, ويحصل حراك حقيقي لحل مشاكل المجتمع مع سعي حقيقي للحل, وهذا ما يمثل اليوم حلما كبير نتمنى الوصول اليه.

 

اترك رد