مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

جهود الراحلين صلاح عطيّة ورشاد كامل كيلاني في نشر ثقافة البذل والعطاء قريبًا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم

4

كتب: عبد الرحمن هاشم

انتهت إذاعة القرآن الكريم يوم السبت ٩ مارس ٢٠١٩م من تسجيل حلقات ذات طابع خاص، عن مجددين من العصر الحديث وهما الراحلين العظيمين: المهندس صلاح عطية، والأستاذ الأديب رشاد كامل كيلاني، واللذان أسهما بسهم وافر في التجديد في فلسفة العطاء وفي الاستثمار المثالي في عالم البشر، وكيف نستفيد من جهودهما لنشر ثقافة العطاء، وذلك لبرنامج “المجددون في الإسلام”، الذي يُعدّه ويقدمه الإذاعي القدير الأستاذ/ السيد صالح، واستضافت الإذاعة للحديث عن هذين المجددين، فضيلة الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

وتناولت ست حلقات الدور التجديدي للمهندس صلاح عطية، باعتباره أحد رواد فلسفة العطاء، وفيلسوف التنمية بمعناها الحضاري الشامل، ومبدع الاستثمار الحقيقي في عالم البشر، حيث توقف كثيرًا أمام حركة الكون التي تدور حول محور العطاء، وكان يرى أن السماء تعطي لنا المطر وهو سرُّ أسرار الحياة.. والأرضُ تعطي لنا الزروعَ والثمار.. والماشيةُ تعطي لنا اللحم واللبن والجلود.. والشمسُ تعطي لنا النور والحرارة.. والنحلُ يعطي لنا العسل الذي فيه شفاء للناس.. وهكذا كان المجدد صلاح عطية رحمه الله يرى أن كلَّ شيء في الكون عندما يعطي يزداد نموا وصلاحًا، ويرى أن الشيء الذي لا يعطي يزداد فسادًا ونكوصًا؛ فالعنب نُقلِّم فروعه من أجل زيادة إنتاجه، والبئرُ نأخذ منه الماء فتتحسن مياهه وتزداد عذوبته ويزداد عطاؤه، وإذا ما تركناه من غير أخذ فسدت مياهه.. وكذلك المال حين يأخذ كلُّ إنسان من ماله ليعطي غيره، ينصلح حال هذا المال ويزداد نموا، كما ينصلح حال الإنسان المعطي بفضل الله عز وجل .

قد يهمك ايضاً:

مفتي الجمهورية يشارك في اجتماعات الدورة 23 لمجلس المجمع…

وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد…

وتضمنت الحلقات عرضا لمظاهر التجديد في العطاء وكيف كانت البداية.. ونقطة التحول، والاستثمار في العنصر البشري، وقصة إنشاء فرع جامعة الأزهر بتفهنا الأشراف وهي أول حالة لوجود جامعة داخل قرية في مصر، ولجان فض المنازعات التي سنَّها الراحل ونظام عملها الدقيق والملزم والتي تضم متخصصين حسب نوعية المشكلة، ودورها في إحداث السلام الاجتماعي بين الأهالي، والمشروعات التنموية الفريدة، وثمرات العطاء، وكيف كانت قرية تفهنا الأشراف قبل عام 1984م تعيش في ظلمات الفقر والجهل والمرض، وكيف تحولت إلى مركز إشعاع بعد أن عاشت تجربة من أروع تجارب التنمية القائمة على استثمار فريضة الزكاة وكل تعاليم الإسلام المتعلقة بالتكافل والإنفاق؛ لتؤكد بما لا يدع مجالا للشك قوة تأثير الإسلام وضرورته لحياة الأمم والشعوب.

ويبقى المهندس صلاح عطية واحدا من الكبار الذين تركوا بصمات غائرة في عمق النفس وفي ميادين الحياة.

كما سجلت الإذاعة ثلاث حلقات عن الكاتب المجدد والمفكر الكبير الأستاذ رشاد كامل كيلاني -نجل الأديب العالمي كامل كيلاني رائد أدب الطفل- باعتباره من الشخصيات الفريدة في تجديدها، وسمو نفْسِها، وطهارة أنفاسها، وجليل عطائها.. أبدع في العطاء في كل شيء حتى في إقرار حقوق للحَرْف العربي!!، فلم يكن الأستاذ رشاد كيلاني يحترم العبارة فقط، أو الكلمة فقط؛ بل كان يحترم الحرف منها؛ لذلك كان حريصًا على أن يكون كل حرف مستقل، وواضح، خوفًا من أن يسأله الحرفُ أمام الله يوم القيامة لماذا لا تعطني حقي؟!. وكان من منهجه ما يُسمى بزكاة المُكْنَة من أجل إسعاد الفرد وإسعاد المجتمع، والعطاء للدين والوطن والوجود ومعناه: أن كل إنسان مكَّنه الله من شيء، وأعطاه القدرة عليه، وكل إنسان أعطاه الله تعالى موهبة أو مواهب وهي من جليل نِعم الله تعالى عليه، ومن ثم لابد أن يُخرج زكاة هذا الشيء أو تلك الموهبة؛ لذلك نشر 48 كتابًا إسلاميًّا باللغة الإنجليزية و43 كتابًا باللغة الفرنسية و 62 بالألمانية إلى جانب بعض المترجمات بالإسبانية والتركية والهولندية.. وغيرها، وظلَّ الرجل حائط صد ضد مَن يحاول أن يتعرض لمقام النبي (صلى الله عليه وسلم)، ففي إبان الهجمة الشرسة على رسولنا الكريم، نشر مائة وسيلة لنصرة النبي عليه الصلاة والسلام، وترجمها -على نفقته الخاصة- إلى عدة لغات، وكان المجدد الأستاذ رشاد كيلاني من أصحاب الأفكار النهضوية.. ومن مواقفه التي لا تنسى، أنه عندما رأى الحفر والتكسير في الطرق وغيره مما يؤذي الناس، قرر أن يعالج العيوب، التي تكسر عربات الناس الغلابة، فأمر بعض العاملين معه بتجهيز سيارة نقل كبيرة، وجاء بعمال متخصصين، لعلاج الحفر بعد منتصف الليل –حتى لا يعطلوا السير، وكان يقيم علاقة طيبة مع سائقي التاكسي، ويعطهم أكثر مما يستحقون بكثير ليستقطبهم إلى مجمع سبيل الله، واستطاع أن يزرع الخير في قلوبهم حتى صاروا جُنودًا في سبيل الله، ويعطهم من الكتب والمصاحف واللوحات القرآنية ليقوم كل سائق بتوزيعها على المساجد ويعطهم أجرًا كبيرًا على ذلك، ومن ثم استطاع أن يوجه طاقات كثير من أصحاب هذه المهن إلى العمل الدعوي والإنساني، وليتحولوا بفضل الله إلى جند مسخرين في كون الله… وبلغ من رقته ورفقه ورحمته أنه كان (رحمه الله) يُطعم الحمام واليمام والعصافير وغيرها من الطيور التي تطير في السماء، فقد خصص لها أماكن في كل مكان يملكه.. في سطح مجمع سبيل الله، وفي سطح مطبعته، وفي سطح منزله في شارع فيصل… إلخ، وكان يقوم بملء المسقة، وتجهيز الطعام من قمح وغيره للطيور التي تطير في الهواء.. وفي مرضه كان يتصل بالشباب المكلفين برعاية هذه الطيور؛ ليطمئن على طعامهم!!. ويبقى الأديب المجدد رشاد كامل كيلاني بمواقفه الشريفة وبقلبه الكبير رائدا ابن رائد في كثير من ميادين العقل والنفس والحياة.

اترك رد