مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

جريمة الإرجاف وتداعياتها وعقوباتها العدوان الأثيم على الجيش ونظائره

18

 بقلم –  أ. د. أحمد محمود كريمة :               

أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة 

      كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين القاهرة

رئيس ومؤسس ” التآلف بين الناس ” الخيرية

مدخل :

أولاً : تضافرت نصوص شرعية محكمة ، وقواعد فقهية راسخة ، وإجماع آئمة العلم الذين يعتد بعلمهم ، على شرف الجندية للدفاع عن الأرض والعرض والمال وأناط بهم واجبات من الرباط والجهاد معاً ، فأما ” الرباط ” معناه المعاصر ملازمة الحدود لحمايتها وصيانتها ، قال الله – عز وجل – : { اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } ( ) .

وأطبق آئمة العلم على المراد بالرباط فى الآية القرآنية المحكمة : الملازمة فى سبيل الله – تبارك وتعالى – ، وأنه أصل الجهاد وفرعه ( ) ، وقال سيدنا محمد رسول الله –  – :

( رباط يوم فى سبيل الله خير من الدنيا وما عليها …. ) ( ) ، وأفضل الرباط : أشد الثغور خوفاً ، لأن مقامه به أنفع ، وأهله أحوج ( )  .

ومما يلحق بالرباط : الحراسة ، وكلاهما يتحققان فى الجيش والشرطة .

وأما ” الجهاد ” ومفهومه فيما نحن بصدده : مجاهدة العدو والظاهر بالقتال والدفاع للذود عن البلاد والعباد ، وفضله عظيم ، وحاصله : بذل الإنسان نفسه ابتغاء مرضاة الله – سبحانه – وتقرباً بذلك إليه ، ويتحقق فى الجهاد المشروع ، أما جرائم ” البغى ” ، ” الحرابة ” ، ” الصيال ” فليست جهاداً ولا رباطاً ، بل هى جرائم مخلة بالأمن العام والدماء والأعراض والأموال ولها عقوباتها الدنيوية المفضلة فى ” التشريع الجنائى الإسلامى ” بصفة عامة ، وأبواب : الحدود والجنايات على النفوس ، والدفاع الشرعى الخاص والجيش والجندية جهاد مشروع فى الدين الحق ، قال آئمة العلم : الذين يقاتلون – الأعداء ، قد بذلوا مهج أنفسهم 

والنصوص الشرعية فى فضل الجندية ( القوات المسلحة ) كثيرة منها :

قول الله – عز وجل – : { وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } ( ) ، { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ } ( ) ، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } ( ) .

من السنة النبوية : قول الرسول –  – : ” مثل المجاهد فى سبيل الله كمثل الصائم القائم ، وتوكل الله للمجاهد فى سبيله ، بأن يتوفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة ” ( ) ،  وروى أن رجلاً جاء إلى النبى –  –  فقال : دلنى على عمل يعدل الجهاد ؟ قال : لا أجده ، ثم قال : هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن يدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر ، وتصوم ولا تفطر ؟ قال : ومن يستطيع ذلك ؟ ” ( ) .

ثانياً : الجيش المصرى قامة وقيمة ومكانة فى التاريخ وفى الإسلام ، فأما فى التاريخ فهو أقدم جيش فى التاريخ الإنسانى ، فقد ظهر فى مصر كنانة الله – عز وجل – فى أرضه ، حوالى عام 3200 قبل الميلاد عقب توحيد الملك الفرعونى نمرمر ، ونبغ قادة عظام فى الجندية المصرية فى التاريخ القديم أشهرهم ” تحتمس الثالث ” والأدوار البطولية التى تعد ملاحم فخار للجيش المصرى تفوق الحصر ، فمن ذلك تحريره لمدينة القدس من أيدى الصليبيين الغربيين ، وإيقافه لزحف المغول ، وفى التاريخ المعاصر القريب طور محمد على باشا – رحمه الله تعالى – الجيش المصرى وتولى بعض أبناءه مهام القياده فيه وحديثاً اضطلع الجيش المصرى بالقضية الفلسطينية بحروب ضد الصهاينة بدء من عام 1952.م بالضباط الأحرار ، لإجلاء البريطانيين عن مصر ، وساند ثورات وطنية للإصلاح الوطنى فى أحداث 25 من يناير سنة 2011.م و 30 من يونيو .

وأثنى رسول الله سيدنا محمد –  – على الجيش المصرى وأخبر منذ ما يزيد على ألف وخمسمائة عام على صلابته وكفاءته فمن ذلك : ما رواه عمرو بن الحمق – رضى الله عنه – عن سيدنا رسول الله –  – ستكون فتنة أسلم الناس فيها – وفى رواية : لخير الناس فيها الجند الغربى ” قال الراوى فلذلك قدمت مصر ” – مستدرك الحاكم 4/495 ، المعجم الأوسط للطبرانى 8/315 ، الفتن لابن نعيم 1/54 ، أخبار المدينة 2/190 وما بعدها .

وقريب منه ما رواه سعد بن أبى وقاص – رضى الله عنه – قال ، قال رسول الله –  – : ” لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ” – صحيح مسلم 3/1525 رقم 1925 .

وعن عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – قال : سمعت رسول الله –  – يقول : إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض ، فقال أبو بكر – رضى الله عنه – ولم يا رسول الله –  – ؟ قال لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة ” الدراقطنى فى المؤتلف والمختلف 2/1003 ، وابن عساكر فى التاريخ 46/162 ، ابن زولاق فى فضائل مصر ص 83 ، المقريزى فى إمتاع الأسماع 14/185 –

تعليقاً على الأسانيد للأحاديث سالفة الذكر :

خبر مستدرك الحاكم بسنده عن عمرو بن الحمق – رضى الله عنه – : قال الإمام الذهبى فى تعليقه على المستدرك : صحيح ، وقرر الثقاة دفع جهالة أحد الرواه – عميرة بن عبد الله المغافرى – حيث تم توثيقه وتعديله : الإكمال لابن ماكولا 6/276 ، الثقاة للعجلى 1/378 ، التايخ الكبير 1/48 ، الثقاة 7/292 ، التهذيب 8/197 ، التقريب لابن حجر 1/573 – وقوى هذا الحديث ما جاء فى مسند البزار 6/287 .

خبر سعد بن أبى وقاص – رضى الله عنه – فى صحيح مسلم .

خبر عمر – رضى الله عنه – : قرر أهل الجرح والتعديل عدالة ابن لهيعة – الذى ضعف الخبر من البعض بسببه : وقرروا أن روايته تبلغ درجة الحسن : مجمع الزوائد 6/97 ، تحفة الأريب للعبدلى ص 9 ، النهاية فى الفتن والملاحم 2/374

بالإضافة إلى شواهد أخرى تقوى خير” خير أجناد الأرض ” : مثل ما رواه أبو يعلى فى مسند 35/51 ، برقم 1473 ، وابن حبان فى صحيحه 15/69 ، رقم 6677 ، وابن عبد الحكم فى فتوح مصر ص 53 ، ما روى عن سيدنا رسول الله –  – : ” إنكم ستقدمون على قوم جعد رءوسهم ، فاستوصوا بهم خيرا ، فإنهم قوة لكم ، وبلاغ إلى عدوكم ، بإذن الله ” أ . هـ .

عن أم سلمة – رضى الله عنها – قالت : ” إن رسول الله –  – أوصى عند وفاته فقال : الله الله فى قبط مصر ، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعواناً فى سبيل الله “

تعليقات على المتن للأحاديث :

خبر : ” ستكون فتن أسلم الناس فيها – أو لخير الناس فيها الجند الغربى “

يراد بهم قطعاً الجيش المصرى ، لأن الغربى يراد به مصر كما جاء فى القرآن الكريم قال الله – عز وجل – : وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ” – الآية 44 من سورة القصص – .

وجه الدلالة : المراد بجانب الغربى : الجانب الغربى لجبل الطور الذى وقع فيه الميقات ، وتلقى سيدنا موسى – عليه السلام – التوراة من ربه – عز وجل : تفسير ابن كثير 6/249 ، التفسير الوسيط أ.د / محمد سيد طنطاوى 10/540 .

قلت : وهذه البقعة المباركة من أرض مصر ، إذن الجند الغربى هم المصريون يقيناً .

يضاف إلى ذلك أن راوى الحديث قال : فلذلك قدمت مصر ، وفد ذكر ابن عبد الحكم فى تسمية من روى عنه أهل مصر من أصحاب سيدنا رسول الله –  – هذا الراوى – رضى الله عنه .

خبر سعد بن أبى وقاص – رضى الله عنه – : ” لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ” : أهل الغرب هم أهل مصر : الديباج على مسلم للسيوطى 4/514 .

خبر عمر – رضى الله عنه – : ” إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض …. “

وجه الدلالة : ظاهر أن المدح لجند مصر .

لمزيد من التوسع : كتاب الجند الغربى الجيش المصرى د . عمر محمد سيد عبد العزيز ، ط دار جوامع الكلم بمسجد سيدى صالح الجعفرى – رحمه الله تعالى – الدراسة – القاهرة – مصر .

تعريف الإرجاف :

قد يهمك ايضاً:

الشيخ حسن طلحه رئيسا للإدارة المركزية للأزهر بالغربية

تعرف على فضل صيام الـ 6 البيض من شهر شوال

أ ) لغة : الاضطراب الشديد ،ن ويطلق أيضا على : الخوض فى الأخبار السيئة وذكر الفتن ، لأنه ينشا عنه اضطراب بين الناس ( ) ،

ب ) الاصطلاح الفقهى : التماس الفتنة ، وإشاعة الكذب والباطل للاغتمام به ( ) .

ألفاظ ذات صلة :

أ ) التخذيل : هو تتبيط الناس عن الحرب ، وتزهيدهم فى الخروج إليه ، بأقوال وأفعال ، وعلى هذا فإن فى التخذيل مع الناس من النهوض للقتال ، والإرجاف أعم من التخذيل ( ) .

الأدلة :

1 ) من القرآن الكريم : وقال الله – عز وجل – : ” لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا {60} مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ” ( ) .

وجه الدلالة : لنغرينك بهم : لنسلطنك عليهم فستأصلهم بالقتل ( ) .

والمنافقون : جمع منافق ، وهو الذى يظهر الإسلام ويخفى الكفر ، والذين فى قلوبهم مرض : هم قوم ضعاف الإيمان ، قليلو الثبات على الحق .

والمرجفون فى المدينة : هم الذين كانوا ينشرون أخبار السوء عن المؤمنين ويلقون الأكاذيب الضارة بهم ويذيعونها بين الناس ، وأصل الإرجاف ، التحريك الشديد للشئ ، مأخوذ من الرجفة التي هى الزلزلة ، ووصف به الأخبار الأخبار الكاذبة ، لكونها فى ذاتها متزلزلة غير ثابتة ، أو لإحداثها الاضطراب فى قلوب الناس .

وقد سار بعض المفسرين على أن هذه الأوصاف الثلاثة ، كل وصف منها طائفة معينة ، وسار آخرون على أن هذه الأوصاف لطائفة واحدة هى طائفة المنافقين ، وأن العطف لتغاير الصفات مع اتحاد الذات .

قال القرطبي : قوله : ” ولئن لم ينته المنافقون والذين فى قلوبهم وهن ، والمرجفون فى المدينة ” ، أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد – والواو مقحمة .

وقيل : كان كل منهم قوم يرجفون ، وقوم ينجون الإشاعات للريبة ، وقوم يشككون

المسلمين ( ) .

وقال صاحب الكشاف على أن هذه الأوصاف لطوائف متعددة من الفاسقين ، فقال : ” والذين فى قلوبهم مرض ” قوم كان فيهم ضعف إيمان ، وقلة ثبات عليه .

والمرجفون فى المدينة : ناس كان يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله –  – فيقولون : هزموا وقتلوا وجرى عليهم كتب وكتب ، فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين .

والمعنى : لئن لم ينته المنافقون عن عدائكم وكيدكم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفة عما يؤلفون من أخبار السوء ، لنأمرنك بأن نفعل بهم الأفاعيل التى تسوءهم ( ) .

وقوله : لنغرينك بهم ” : جواب القسم ، أى : لنسلطنك عليهم فنستأصلهم بالقتل والشريد ، وقوله : ” ثم لا يحاورنك فيها إلا قليلا ” .

معطوف على جواب القسم ، أى : لنغرينك بهم ثم لا يتقون بعد ذلك مجاورين لك فيها إلا زمانا قليلا ، يرتحلون بعده بعيدًا عنكم ، لكى تبتعدوا عن شرورهم .

وجاء العطف بمّ فى قوله ” ثم لا يجاورنك فيها ” للإشارة إلى أن إجلاءهم عن المدينة نعمة عظيمة بالنسبة للمؤمنين ، ونقمة كبيرة بالنسبة لهؤلاء المنافقين وأشباههم .

وقوله ” ملعونين أينما ثقفوا ” أى مطرودين من رحمة الله – تعالى – ، ومن فضله ” أينما وجدوا فظفر بهم المؤمنون ” .

ومعنى ” ثقفوا ” بمعنى : وجدوا وقوله ” أخذوا وقتلوا تقتيلا ” بيان لما يحيق بهم من عقوبات عند الظفر بهم ، أي : هم ملعونون ومطردون من رحمة الله بسبب سوء أفعالهم ، فإذا ما أدركوا فظفر بهم ، أخذوا أسارى أذلاء ، وقتّلوا تقتيلا شديدا ، وهذا حكم – تعالى – فيهم حتى يقلعوا عن نفاقهم وإشاعتهم مقاله السوء فى المؤمنين ( ) .

2 ) من السنة النبوية : ما روى ” بلغ رسول الله –  – أن ناسا من المنافقين يثبطون الناس عنه فى غزوة تبوك ، فبعث إليهم طلحة بن عبيد الله – رضى الله عنه – فى نفر من أصحابه ، وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت ، ففعل طلحة ذلك ( ) .

3 ) أحكام فقهية ذات صلات وعلاقات :

أ ) لا يجوز لقائد الجيش – وكذلك الشرطة المدنية – استصحاب أحد من المرجفين فى الجهاد – والرباط والحراسة وما أشبه – قال الله – عز وجل – : ” وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ {46} لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ

الْفِتْنَةَ ” ( ) . ( ) .

تأسيسا على ما ذكر :

1 ) يحرم نشر وبث الأخبار الكاذبة ، والإشاعات الضارة بحق الجيش والشرطة المدنية وكل من يقوم بمهام الجهاد المشروع والرباط والحراسة وما أشبه .3

2 ) سنت الشريعة الإسلامية عقوبات زجرية تعزيرية لولى الأمر ( الحاكم ) تنفيذاً ومن يفوضه

( الهيئة القضائية ) أحكاما ، و ( الهيئة العلمية الإفتائية ) استشارة ، منها :

1- الحكم بقتل المرجفين ( جزاء وفاقا ) .

2- الحكم بنفيهم عن البلاد ، ويشابهه : إسقاط الجنسية والمواطنة فى التطبيق المعاصر .

3- استحقاق المرجفين الطرد من رحمه الله – تعالى – أينما كانوا متمالئين على الجيش ومن يناظره فى داخل البلاد وخارجها .

4- وجوب حماية وصيانة الجيش ومن يشابهه من أعمال ومهام من معوقات أهل الفتن والسعايات

5- ريادة التشريع الإسلامى بالتدابير الوقائية الاحترازية والزجرية للأمن القومى .

والله – عز وجل – ولى التوفيق

 

التعليقات مغلقة.