مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

ترامب يعرف ما يريد !

2

بقلم – المستشار – محمود البرلسى “المحامي”

يخطئ من يظن أو يساير الظن بأن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عشوائية ، أو أنها لا تعدو أن تكون إنفلاتات لا تعبر عن منظور مرسوم وأهداف مقصودة .

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب: أحلام ضائعة

ذلك الظن لا يتعمق فى الحقائق التى صار إليها نسيج المجتمع الأمريكى ، وتغير النسب فيه بين عناصره المختلفة ، وهى ما يراهن عليها الرئيس الأمريكى مدركًا أن النبرة العنصرية التى يتبناها تؤجج منطق « رعاة البقر » « الكاوبوى » ، الذى كان قد نهض عليه فى البدايات نسيج المجتمع ، وهى نبرة توافق الميول العنصرية لقطاع صار أغلبية يريد أن تكون الولايات المتحدة « مسيحية بيضاء » ، ولا تقتصر إرادته على رفض الهجرة إليها ، وإنما تستهدف لفظ واستبعاد الأقليات بأنواعها .. السوداء ، والإسلامية ، والغير مسيحية ، وهى نغمة ليست جديدة أو بنت اليوم ، فقد ظهرت من قبل ولاية الرئيس الأسود باراك أوباما حركة متطرفة تسمت « بحزب الشاى » ، هاجمت أوباما بشدة ، وتبنت تأجيج العنصرية والتعصب والإسلاموفوبيا ، ويعزى إليها إثارة الغضب والتعصب إزاء التغييرات الاجتماعية والسكانية التى أحدثتها فى السنوات الأخيرة زيادة أعداد الوافدين من قوميات وطوائف مختلفة ، مما أدى إلى تغيير فى نسيج المجتمع ، سواء بالنسبة للأغلبية البيضاء ، أم بالنسبة للأقليات التى يقول المحللون إنها وصلت لنحو 3ر18% من « الهيبسانيك » ومعظمهم بالأساس من المكسيكيين الكاثوليك ، وإلى نحو 4ر13 % من السود الأفارقة ، ونحو 9ر5 % من الآسيويين ، بينما انخفضت نسبة البروتستانت من 50% سنة 2003 إلى 36 % عام 2017 ، وفى الوقت نفسه تقلصت نسبة المسيحين إجمالاً ــ فيما يقول المحللون والإحصائيون ــ من 83% إلى 72% عن نفس الفترة . يعرف ترامب جيدًا أن كثيرًا من المتعصبين البروتستانت البيض ، الذين يشكلون أغلبية إزاء الأقليات ، يرفضون هذا الواقع الجديد ، ويعتقدون أن هذه التغييرات فى نسيج المجتمع ، باتت تهدد وجودهم بل والولايات المتحدة ذاتها فى ظنهم ، ومن ثم يلعب ترامب ومن قبل توليه الرئاسة على هذا الوتر ، ويدغدغ هذا الاتجاه ويظاهره ، وإليه يرجع خطابه العنصرى القبيح وقراراته العنصرية البغيضة . يلعب ترامب جيدًا على أوتار المتعصبين ذوى الميول العنصرية ، الذى يريدون الولايات المتحدة دولة مسيحية بيضاء ، ويحرصون على عدم فقدان سيطرتهم التاريخية على مقاليد الحياة السياسية الأمريكية ، ويتساندون على مقاومة « التنوع » الذى قام عليه النسيج الأمريكى ، ويعادون الاتجاه نحو المزيد من هذا التنوع العرقى والدينى واللغوى ، وتجفيفه أو تقليصه ما أمكن . وإدراك ترامب لهذا الواقع ــ قديم ، أقام عليه خطابه الانتخابى مضيفًا إليه تبنيه الصهيونية الإسرائيلية وإرضاء الجالية اليهودية مالكة معظم الصحافة والإعلام ، وصاحبة التأثير فى السياسة الأمريكية ، ويرصد المحللون السياسيون أن تآزره مع حركة « حزب الشاى » يرجع إلى عام 2010 ، حين ظهر تأثير هذه الحركة على انتخابات الكونجرس النصفية عام 2010 ، فأبدى ترامب إعجابه بتلك الجماعة : « حزب الشاى » ، وأعلن ذلك فى لقاء له عام 2011 مع قناة فوكس الإخبارية ، ومما قال معبرًا عن إعجابه وتأييـده : « أعتقد أن مناصرى جماعة حزب الشاى يحبون بلدهم ، وأنا أعكس وأؤيد الكثير مما تتبناه هذه الحركة » أضف إلى ذلك فاتورة الحماية التى يريد ترامب أن يفرضها على الدول بقالة إن الإنفاق العسكرى والقواعد المتاحة فيها للولايات المتحدة ، إنما هى لحماية الأنظمة ، ويجب على الدول أن تدفع إليه فاتورتها . وهى ولا شك بدعة غير مسبوقة ، تتجاهل أن هذه القواعد الأمريكية هى فى الأساس ضمن الاستراتيجية الأمريكية تحقيقًا لأهدافها لفرض القوة الأمريكية ـ كقوة كاسحة تسيطر على العالم ، وأنها من خلال هذه السيطرة تحقق لنفسها مصالحها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية . لا شك أن هذا المنطق مرفوض لدى الدول والشعوب المروم تقاضى الفاتورة منها ، بيد أن ذلك قد يصادف قبولاً لدى من يرى من الأمريكييـن ، أن هـذه « شطارة » .

توفر ما تنفقه الولايات المتحدة لانتشارها وفرض سطوتها على العالم ! ويبين من ذلك وغيره ، أن الرئيس ترامب يعرف ما يريده ، ويريد ما يفعل ، ويلعب بدقة عليه ، ممهدًا لجمع أغلبية تظاهره فيما يفعل ، وتؤيد انتخابه لفترة رئاسة ثانية . وعلى ذلك فليس من حسن الفطن الاستخفاف بخطابه وبضرباته التى من الواضح أنها مرسومة ، يظاهره فيها نجاحه الواضح فى السياسة الاقتصادية ومردودها ، فإذا به بعد المرارة الكبيرة التى نشأت منذ عام 2008 من سياسات العولمة والتجارة الحرة ، وارتباط ذلك بوصول أول رئيس أسود إلى البيت الأبيض ؛ إذا به ينجح فى طمأنة الأغلبية البيضاء ، بتحقيق نجاح ملموس فى السياسة الاقتصادية ، فقد تراجع التضخم تراجعًا ملحوظًا ، وتقلصت البطالة بنسبة كبيرة ، وارتفعت نسبة الاستثمارات ، والتصدير ، وارتفع الدخل القومى ودخل الأفراد ، وتدل على ذلك كافة الإحصائيات التى أثبتت أن البطالة تراجعت إلى 6ر3% وهو أقل معدل للبطالة منذ عام 1966 ، مما يعكس نجاحًا اقتصاديًّا ملموسًا ، ومعدل الدخل ارتفع إلى 4ر3 % بعد أن كان فى حدود 5ر2 % ـ 9ر2 % حتى عام 2017 ، فبعد أن كان معدل التضخم 26ر3 % ، انخفـض إلى 8 ر1 % ، ثم الآن إلى 6ر1 % ، بما يعكس نجاحًا ملموسًا للسياسة الاقتصادية يطرب له المواطن الأمريكى ، وارتفع حجم النمو G D P إلى 1 ر3 % فى الربع الأول من عام 2019 ، وهو أعلى معدل وصل إليه حجم النمو منذ عام 1947 . هذا وما قد يبدو غير مرضٍ لشعوب العالم ، مرضٍ تمامًا للأغلبية الأمريكية . طبيعى أن يكره غير الأمريكيين قيود الهجرة أو التشدد فى دخول الولايات المتحدة ، وأن يكرهوا اتجاه ترامب لعدم منح الجنسية الأمريكية لكل مولود بها لمجرد الميلاد وبلا ضوابط ، وأن يكره المكسيكيون إقامة سور عازل بين المكسيك والولايات المتحدة . إلاَّ أن ذلك الذى يبدو غير مرضٍ بل مكروهًا ومرفوضًا من الأمم والشعوب ، يرضى اغلبيه امريكيه يراهن عليها ترامب الذي أكرر انه يعرف ما يريد تماما ويريد ما يفعله لتحقيق مراده بخط مرسوم لا بانفلتات أو ضربات عشوائية غير مدروسة

أكبر خطأ حينما لا تفطن إلى أعماق هذه المرامي أو أخذها ببساطه أو استخفاف يقول المنطق انها مخططه تبتغي أهدافا لا يخطئها البصير

 

اترك رد