مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

“ترامب” الأمريكى والنووى الإيرانى

10

بقلم الدكتور – على عبد النبى:

قد يهمك ايضاً:

أحمد سلام يكتب يوم أن غاب السادات عن 25 إبريل

ترشيد إستهلاك الكهرباء معاناة المواطن بالصيف ولا يساهم بخفض…

“نتنياهو” الإسرائيلى مهد ساحة العمليات لكى يعلن “ترامب” الأمريكى الإنسحاب من الاتفاق النووى مع إيران ، ففى 30 أبريل 2018 ، أعلن “نتنياهو” الإسرائيلى عن حصول إسرائيل على 55 ألف وثيقة لبرنامج إيران النووى ، والتى تثبت وجود برنامج نووى سرى ،  وأن إيران كانت “تكذب” عندما قالت إنها لا تمتلك برنامجا للأسلحة النووية.
على الفور، وفى يوم الثلاثاء 8 مايو 2018 ، أعلن ” ترامب” الأمريكى الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى، وقد وصفه بالاتفاق “الكارثى” ، كما أنه اتهم إيران “بالكذب” فى شأن ملفها النووى، وقرر إعادة العمل بالعقوبات الاميركية على إيران، وكذا فقد هدد بفرض عقوبات شديدة على البلاد التى ستساعد إيران فى سعيها للحصول على الأسلحة النووية.
“اللى يحضر العفريت .. يصرفه” هو مثال شعبى مصرى ينطبق على أمريكا وإيران. فقد قامت أمريكا بمساعدة إيران فى مجال الطاقة النووية ، حيث بدأ البرنامج النووى الإيرانى فى 5 مارس 1957، عندما وقعت إيران مع أمريكا (شاه إيران وايزنهاور) اتفاقية يتم بموجبها مساعدة إيران الحصول على الطاقة النووية السلمية، مدتها 10 سنوات، وقد حصلت إيران بموجبها على مساعدات نووية، وعلى عدة كيلوجرامات من اليورانيوم المخصب للأغراض البحثية. و فى عام 1960، قدمت أمريكا لإيران مفاعل أبحاث نووى قدرته 5 ميجاوات (يستخدم اليورانيوم المخصب بنسبة 93%)، كما زودتها بالعديد من “الخلايا الحارة” للتعامل مع المواد المشعة، ومع بداية عمل هذا المفاعل سنة 1967،  تأسس مركز طهران للبحوث النووية .TNRC و فى سبتمبر من عام  1967، زودت أمريكا إيران بـ 5.5 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب، ثم تلى ذلك تزويدها بحوالى 104 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب لزوم تشغيل مفاعل الأبحاث فى مركز طهران للبحوث النووية. لكن فى مقابل ذلك، ففى يوليو من عام 1968، وقعت إيران على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية NPT ، وصدقت عليها فى 2 فبراير من عام 1970، كما وقعت إيران على اتفاقية الضمانات، والتى دخلت حيز التنفيذ فى 15 مايو 1974.
تعقيبا على التهديدات الأمريكية لإيران نقول: إن إستخدام الطاقة النووية فى المجالات السلمية هو حق مشروع لجميع دول العالم، ومن المخالف للقانون الدولى أن تهدد أمريكا إيران طالما هو حق من حقوقها ، وأن من حق أى دولة فى العالم امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية شاملة دورة الوقود النووى كاملة، وهذا بنص الفقرة الرابعة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية NPT ، والتى تنص على : “تتعهد جميع الدول الأطراف فى هذه المعاهدة بتيسير أتم تبادل ممكن للمعدات والمواد والمعلومات العلمية والتقنية لاستخدام الطاقة النووية فى الأغراض السلمية, ويكون لها الحق فى الاشتراك فى ذلك التبادل, وتراعى كذلك الدول الأطراف فى المعاهدة، والقادرة على ذلك التعاون في الاسهام, منفردة أو بالاشتراك مع الدول الأخرى أو المنظمات الدولية فى زيادة تطوير تطبيقات الطاقة النووية للأغراض السلمية, ولاسيما فى أقاليم الدول غير الحائزة للأسلحة النووية والتى تكون طرفا فى هذه المعاهدة مع ايلاء المراعاة الحقة لحاجات المناطق النامية فى العالم”.
إذا كان “ترامب” الأمريكى يدين إيران “بالكذب” لعدم كشفها عن برنامجها النووى، فكيف تدان إيران ولا تدان إسرائيل التى تمتلك برنامج سرى لإنتاج القنابل النووية ؟، وكيف تدان إيران لأخفاء برنامجها النووى وجميع دول النادى النووى بما فيها الهند وباكستان برامجها النووية سرية.
الاتفاق النووى مع إيران تم توقيعه يوم الثلاثاء 14 يوليو 2015 ، حيث وقعت إيران ومجموعة ” 5 +1″ وهى أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا بالإضافة الى ألمانيا على خطة عمل شاملة، تتضمن رفع العقوبات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووى الإيرانى مقابل تفكيك إيران لأجزاء من برنامجها النووى ، وذلك بعد ما يقرب من 20 شهراً من المفاوضات. وقد شملت بنود الإتفاقية بنود شديدة الصرامة لوقف تحول البرنامج النووى الإيرانى السلمى الى عسكرى لتصنيع قنبلة نووية، وبنود الاتفاقية تشمل : وضع حد لتخصيب اليورانيوم بحيث لا يتجاوز 3.67% … تحويل مفاعل “فوردو” الى مركز بحوث فيزياء بعد ان كان مركز لتخصيب اليورانيوم … خفض عدد أجهزة الطرد المركزى التى تستخدم لتخصيب اليورانيوم الى 5060 جهاز فى مجمع “ناتانز” Natanz بعد أن كان عددها يقدر بحوالى 20 ألف جهاز وهى أجهزة من الجيل الأول IR-1 والتى تعتبر الأقل كفاءة … لا يسمح بتخصيب اليورانيوم فى مجمع “فوردو” لمدة 15 عاما … إدخال تعديلات ووضع قيود تصميمية هندسية على مفاعل “أراك” الذى يعمل بالماء الثقيل لكى لا يستطيع إنتاج البلوتونيوم الذى يمكن استخدامه فى تصنيع القنبلة الذرية … تمتنع إيران عن بناء مفاعلات تعمل بالماء الثقيل … السماح بدخول مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع الإيرانية المشتبه بها، ويشمل ذلك مواقع عسكرية يتم الوصول إليها بالتنسيق مع الحكومة الإيرانية.
إسرائيل كانت فى منتهى السعادة من قرار “ترامب” الأمريكى الانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران  ، وأعلنت دعمها الكامل لهذا القرار الشجاع. فى المقابل نجد أن الدول الاوروبية التى وقعت على الاتفاقية ، وتربطها مصالح اقتصادية كبيرة مع إيران أعلنت أنها مصممة على الحفاظ على الاتفاق النووى الإيرانى ، وأنها مصممة على التحرك بما ينسجم مع مصالحها الامنية وحماية استثماراتها الاقتصادية،  وانها ملتزمة باستمرار تنفيذ الاتفاق النووى الايرانى.
أصبح الموضوع واضح وضوح الشمس ، والكلام كله كلام سليم ولا غبار عليه. إذاً ، كيف تنسحب أمريكا من الاتفاقية ، فى حين أن هذه الاتفاقية تعتبر من أهم الانجازات التى حققتها الدبلوماسية الدولية ؟. كيف تنسحب أمريكا من الاتفاقية ، فى حين أن هذه الاتفاقية أعطت المجتمع الدولى بأسره حق متابعة الأنشطة النووية الإيرانية من خلال منظمة الأمم المتحدة ؟ ، فقد أسندت الاتفاقية الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتى تتبع الأمم المتحدة. كيف تنسحب أمريكان من الاتفاقية ، فى حين أن إيران لم تنتهك أى بند من بنود الاتفاقية ؟ ، وأن مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموكلة إليهم عمليات التفتيش فى إيران يؤكدون بانتظام التزام إيران ببنود الاتفاقية ، فالحكومة الإيرانية التزمت بكل تعهداتها فى الاتفاقية. فما الداعى من خلق مشاكل بدون سبب واضح ومؤكد؟
“ترامب” الأمريكى يكرر نفس سيناريو الإدعاءات الباطلة التى أطلقها “جورج دبليو بوش” الأمريكى ، حين أراد غزو العراق ، حيث أكدت أمريكا فى 5 فبراير 2003 أنها استندت لمعلومات ووثائق حقيقية تفيد حصول العراق على أسلحة دمار شامل. واليوم يقدم “نتنياهو” الإسرائيلى إدعاءات باطلة لكى يستند اليها “ترامب” الأمريكى فى قراره الانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران.
“ترامب” الأمريكى قد تعمّد التضليل في اتهاماته لإيران كما أنه سرد عيوب كثيرة لبنود الاتفاقية ، وهى مجرد اشاعات لا أساس لها من الصحة. وبذلك يكون ما قام به “ترامب” الأمريكى من انسحاب أحادى الجانب من الاتفاقية ، هو خطأ فادح فى حق المجتمع الدولى وفى حق الدول الموقعة على الاتفاقية . فبهذا الانسحاب يؤكد “ترامب” الأمريكى ، أن أمريكا دولة تنقض العهود، ولا تحترم الاتفاقيات الدولية، وأصبحت لا تمتلك مصداقية بين دول العالم.
فى اعتقادى الشخصى أن الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية وهى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين هى دول تمتلك حضارة  ، وهى تختلف عن دولة أمريكا التى لا تمتلك حضارة. لكن كيف ستتصرف هذه الدول حيال هذا العمل الأخرق ؟ ، هل ستتراجع عن موقفها الداعم للاتفاقية وتسير خلف “ترامب” الأمريكى وتنقض العهود وتتناسى انها تمتلك حضارة وتضحى باستثماراتها مع إيران ؟ ، فهذا أمر توضحه الأشهر المقبلة.

اترك رد