مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

تذكرة مترو…قصة قصيرة

1

بقلم: عبده داود

قال خوان لقاطعة التذاكر: أرجوك اسلفيني تذكرة ركوب، وفي عودتي أعيد لك ثمنها… لقد نسيت محفظة نقودي بالمنزل، وهذه ساعتي ضعيها رهينة لديك…

قالت قاطعة التذاكر، أنا آسفة جداً، التعليمات لا تسمح لنا بذلك…

صادف وجود فتاة بالمكان، تقدمت من شباك التذاكر، واعطت نقوداً للموظفة وقالت: تفضلي ثمن تذكرتين لي ولهذا الشاب.

أصر الشاب على طلب عنوان الصبية حتى يعيد لها الدين. وخاصة أنها أعطته نقوداً إضافية أجور العودة.

الحقيقة ماريا، ليست مهتمة بما أعطته للشاب ولم تكن تنوي اطلاقاً أن تسترجع ما دفعته. هي من عائلة ثرية، والذي دفعته زهيد لا يستحق.

لكن الطريقة الخجولة  المتواضعة  اللبقة، التي كان يتكلم بها الشاب لفتت نظرها، ومست شغاف قلبها…

لا تدري لماذا هذه المرة أحست بنبض قلبها الذي لا تسمح له اطلاقاً بان ينبض وخاصة لطلاب الجامعة الذين يتوددون اليها دائماً…

خوان يرجوها متمنياً  أن تسمح له بإعادة الدين المستحق…وليس بقصد آخر، نظرت ماريا اليه بتمعن وسحرتها طريقة كلامه وقالت حسناً: واعطته رقم هاتفها وودعته. هي ركبت المترو إلى كلية الطب… وخوان ركب مترو آخر إلى كلية الفنون الجميلة…

صادف نهار عطلة فكر الشاب بأن الوقت مناسب أن يهاتف الصبية حتى يعيد لها الدين، تواعدا وذهب فوجد الصبية منتظرة أمام مدخل بيتها.

اعطاها نقودها وتشكرها جزيلاً. وقدم لها ظرفاً كبيراً وقال يحتوي على هدية لك…

نظرت الفتاة إلى الشاب باستغراب وسألت هدية؟ ولماذا الهدية؟

قال الشاب أرجوك أن تقبليها هي عربون شكري لك لحسن صنيعك…

سحبت ماريا الكرتونة من الظرف الكبير، وشهقت مندهشة عندما شاهدت صورتها هي بالذات… صورة تشبهها فعلاً، ومزيلة بتوقيع خوان…

الفتاة لم تستطع اخفاء اعجابها الشديد باللوحة. تشكرت الشاب بشدة، وهو أضحى فرحاً لأن اللوحة اعجبتها، وهم بالانصراف، لكنها أصرت وبشدة أن يدخل خوان إلى منزلها لتتشكره على حسن صنيعه.

أنبهر الشاب بالبيت الذي دخله، منزل فخم بالفعل، والذي استرعى انتباهه بشدة، تلك اللوحات الكبيرة التي تزين جدران البيت الواسع…

أعجب أهل الفتاة باللوحة الرائعة التي رسمها الشاب لابنتهم من الذاكرة.

في نهاية الزيارة سأل ابو ماريا خوان إذا كان يمكن أن يرسمه على لوحة زيتية كبيرة كتلك اللوحات المعلقة على جدران المنزل، وقال هذه صور أجدادي، وأنا سأدفع لك المبلغ الذي تطلبه…

قال الشاب لا يا سيدي، ليست المسألة مسألة نقود، أنا لا ازال طالباً في كلية الفنون الجميلة، وهذه هي سنتي الأخيرة في الدراسة، ولا يتوفر عندي الوقت اللازم. ربما في السنة القادمة سيسعدني أن ارسمك وستكون اللوحة هديتي لهذه العائلة الكريمة.

تخرج الرسام خوان، وتخرجت الدكتورة ماريا…ولم يحدث أن تصادفا بعدها.

هي لم تكن مهتمة بأمور الحب، وهو لم يحاول أن يتصل بها. بعدما عرف الفارق الطبقي الشاسع بينهما…

ماريا بعد التخرج كانت مهتمة بتأسيس عيادتها الخاصة، وخوان كان يبحث عن وظيفة أي وظيفة

يعيش من ايرادها. رغم كراهيته للعمل الوظيفي مهما كان راتبه، لأنه يؤمن بأن العمل الوظيفي يعتبر بيع لعمر الانسان  وحريته بالمجان. 

قد يهمك ايضاً:

أهيم بطيفك

أعلن متحف مدريد عن مسابقة لاختيار لوحات فنية ليتم  شرائها ليتم عرضها لاحقاً في المتحف  الوطني وذلك ضمن حفل كبير سيحضره وزير الثقافة، والصحافة والتلفزيون. وسيكون هناك نقاداً معروفين لتسليط الضوء على لوحات الرسامين المستحقين…

تقدم خوان بلوحة كبيرة نسبياً اسماها لوحة العائلة، جسد فيها ذاك اللقاء في منزل الدكتورة ماريا مع أبوها وأمها… بأسلوب واقعي رائع جداً، مركزاً على ملامح ماريا بالذات…

كان الحضور كبيراً في المعرض، وفعلاً جميع النقاد أثنوا على لوحة خوان الواقعية، وبالفعل هي لوحة رائعة. وقد ركز مصورو التلفزيون على تلك اللوحة بالذات، وقال أحد النقاد المعروفين، لقد افتقر زماننا إلى جمال الأعمال الواقعية، وجاءنا الفن الحديث مشوهاً وكثيرا من الأحيان لا معنى له… تحت مسمى الحداثة…

كان التلفاز يحكي عن ذاك المعرض، ويعرض   لوحات كثيرة. لكن عندما عرض التلفزيون لوحة العائلة قال المذيع عصر واقعي جديد رائع أبدعه الفنان خوان في لوحة العائلة…

طار صواب ماريا وأهلها عندما شاهدوا صورتهم بالذات، هي لوحة العائلة. لقد رسم خوان هذه اللوحة من الذاكرة أيضاً… بالفعل شيء غريب مذهل.

قال الأب: أنا سأشتري هذه اللوحة مهما كان ثمنها

قالت ماريا: وأنا سأدعيه إلى حفلة عيد ميلادي الاسبوع القادم، لكنني لا أعرف عنوانه، واحتارت كيف ستصل إليه، لكنها تذكرت بانه اتصل بها مرة…

وباشرت تبحث عن ارقام متصلين بها بدون اسم…

وأخيراً وجدت الاسم المطلوب، وعرفت صوته، وطال الحديث بينهما، ودعته بإلحاح لحضور عيد ميلادها…

حضر ناس كثيرون إلى حفلة عيد ميلاد ماريا، وجميعهم حاملين الهدايا المختلفة، لكن ماريا كانت تنتظر شخصاً واحداً لا غير، كانت متلهفة لحضوره…

وأخيراً وصل خوان حاملاً لوحة كبيرة ضمن إطار جميل، وقال هذه هي لوحة العائلة وهي هديتي لك في عيد ميلادك رفضت أن أبيعها للمتحف؟

اندهش الحضور من هذا العمل الجميل والمتقن وخاصة عندما عرفوا بأنه مرسوم من الذاكرة

وعندما أحضرت الدكتورة اللوحة التي أهداها اياها خوان وأخبرتهم بان هذا العمل أيضاً من الذاكرة، وحدثتهم عن مناسبة الهدية، تذكرة المترو، وكانت تروي القصة بإعجاب شديد، أدرك الجميع بان الدكتورة تكمن مشاعر الحب لهذا الفنان، وكذلك أدركوا بان الفنان يخفي مشاعر ذات معاني من ملاحظة التركيز على ماريا في لوحة العائلة، كما لاحظ الجميع نظرات الحب في عيونهما عندما تتشابك   نظراتهما…

خوان كان يعتبر أحلامه من المستحيلات، أن يصبح حبيب ماريا، وأن يمتلك مشغل رسم، وصالة كبيرة يعرض فيها أعماله…

جميع الحضور إلى عيد ميلاد ماريا من الطبقة المخملية، وأولادهم الشباب يتمنون أن ينالوا رضى الدكتورة الحسناء ماريا…

ماريا لأول مرة سمحت لعواطفها بالخروج من معتقل الانضباط القسري. ويبدو إنها نوت تقديم قلبها إلى هذا الفنان المبدع.

طلب أبو ماريا من خوان تنفيذ الوعد بأن يرسمه في لوحة جدارية كبيرة تضاف إلى لوحات قصره الجارية…

وفعلاً ظهرت لوحة رائعة تصدرت صدر القصر…

جميع أصدقاء الرجل الذين شاهدوا اللوحة كانوا يترجون الدكتورة ماريا حتى يرسمهم هذا الفنان المبدع…

كانت ماريا تخبرهم عن أتعاب اللوحة بمبالغ كبيرة لم يكن خوان يتجاسر أن يطلبها، وكان الأثرياء يدفعون…

لاحظ الأب اهتمام ابنته في هذا الرسام خوان، ولاحظ الحب المكتوم في قلب خوان…

ساعد الأب ابنته الوحيدة واشترى لها عيادة في مكان مميز في مدريد…

أبو ماريا، أحب خوان وساعده كثيراً بتعريفه على الطبقة المخملية في مدريد، التي كانت تتسابق على طلب موعد حتى يرسمهم هذا الفنان الشاب المبدع،   وصارت أجور الرسم ترتفع حتى صارت بألوف الألوف عن كل لوحة، وهذا ما ساعده على  تحقيق أحلامه بشراء مرسم وصالة عرض واسعة في منطقة جميلة  في مدريد.

فاح عطر الحب، وتكلل خوان وماريا في أضخم كنيسة في العاصمة  الاسبانية، وعاشا حباً وارفا كان سببه تذكرة مترو…

التعليقات مغلقة.