مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

النظام العالمي والدولة القومية

11

بقلم دكتور- هشام فخر الدين :

لعل القارئ يجد ضالته من خلال هذا المقال فى الوقوف على ما على التحول العالمى فى شتى المجالات، وحركات دمج العالم فى بوتقة واحدة، يخضع السوق والمصالح. تلك التحولات التى تم اختصارها فى مشروع متكامل يتمثل فى العولمة التى شملت كافة المجالات وأذابت الحدود بشكل غير مسبوق.

فلعنا نقف على تتيحه  من فرص وما تفرضه من تحديات، خاصة فيما يخص الدولة الوطنية فمنذ النصف الثاني من القرن العشرين شهد العالم العديد من التحولات الجذرية على المستويين السياسي والاقتصادي التي تزامنت مع ظهور العولمة كنظام عالمي جديد ونموذج شمولي والذي ارتبط أشد الارتباط بالتطورات المعلوماتية التي اكتسحت العالم مند بداية التسعينات.

فقد أفرز النظام العالمى الجديد ظاهرة معددة الأوجه والتوجهات، من حيث كونها صيرورة تاريخية يتحول فيها خطوط الانتاج الرأسمالى من دائرة عولمة المبادلة و التوزيع إلى دائرة عولمة الانتاج الرأسمالى، ومن ثم إخضاع العالم أجمع إلى النظام الرأسمالى تحت قيادة وهيمنة وتوجهات الرأسمالية العالمية وسيادة نظام التبادل الشامل لصالح التكتلات الاقتصادية الكبرى المهيمنة.

فالثورة العلمية والتكنولوجية جعلت العالم أكثر اندماجاً حيث سهلت حركة الأفراد ورؤوس الأموال والمعلومات والخدمات إلى جانب تقليصها للزمان والمكان.

قد يهمك ايضاً:

تحليل سوات والحياة اليومية للمواطن

انور ابو الخير يكتب: لا شيء يستحق الحداد

وفي هذا الإطار تمثل العولمة نوع من التداخل الكثيف في العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بين مختلف دول العالم الذي من الصعب إن لم يكن المستحيل ضبط تأثيراتها والتحكم فيها بالإجراءات التقليديةحيث أن العلاقات الدولية لم تعد تقتصر على التبادلات التجارية والدبلوماسية.
وإنما أصبحت وبفضل التقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات وثورة المعلومات، تتخطى كل الحدود وتحطم كل القيود مما كان له أثر كبير على الدولة الوطنية، التي فقدت في ظل النظام العالمي الجديد (العولمة) العديد من المكتسبات كالسيادة والتحكم في الاقتصاد إلى غير ذالك، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ما مصير الدولة الوطنية في ظل العولمة؟ و ما مستقبلها فى ظل العولمة ؟

وما مدى قدرة النظريات الليبرالية الجديدة على تفسير السياسيات العالمية الجديدة ؟
حيث أنها ظاهرة لا تشير فقط إلى مجرد الانكماش الموضوعى للعالم الذى حدث على صعيدي الزمان والمكان وإنما الأهم من ذلك هو وعى العالم بهذا الإنكماش فهى فى مظهرها الخارجى تدعم التعدد و اللاتجانس الثقافى وفى طياتها تدعم التفرد و اعتبار المواطنين مواطنى العالم أجمع بشكل لا يتماشى مع وجود وخصوصية الدولة ككيان مستقل.

فبالبرغم من كون الدولة ـ الأمة تعتبر في الوقت الحالى الشكل الأساسى الغالب على الترابط السياسى للأنظمة السياسية المعاصرة فنجد الكثير من الجدل يدور حول مدى احتمال استمرار وجودها بل وجدوى هذا الوجود في المستقبل خاصة وأن هناك بعض الأوضاع والعوامل الاجتماعية ـ السياسية والاقتصادية التي تنحو نحو هدم كيان الدولة ـ الأمة كتنظيم سياسي فعال.

وقد تؤدى إلى اختفائها تماماً في كثير من مناطق العالم النامية والمتقدمة على حد سواء، أو قد يحدث العكس مع اختفاء بعض هذه الدول يكون ظهور دول أخرى جديدة تؤسس على نبذ الشعور بالانتماء الى أمة واحدة . كما حدث بالفعل نتيجة لتفكك الاتحاد السوفياتى وفى يوغوسلافيا كمحصلة لصراع الكيانات العرقية – الدينية المتناحرة.

وعلى صعيد آخر نجد توجهين متنازعيين لمنظور الدولة في ظل العولمة فيرى التوجه الأول أن العولمة ظاهرة ايجابية من منطلق الليبرالية الجديدة التي تحملها فهي ليست ضد الدولة أي تعتبرها مخطط ايجابي لتحمل الدولة مسؤولياتها في حفظ الأمن.

وفي المقابل يرىى التوجه الآخر أن دولة العنف الليبرالية تتنصل من دولة الخدمات لتنكشف في الأخير كاختلال يدمر الحضارة بكافة جوانبها ، وأن العولمة فكرة ناقدة تولد الاعتقاد على أنها السلاح الفعال لتصفية مكتسبات دولة الخدمة الاجتماعية.

وبالتالى تمثل فى نهاية الأمر استعماراً وغزواً غربياً تقنى وثقافى واقتصادى وسياسى، أشد ضراوة وشراسة من أى لون آخر من ألوان الاستعمار الغربى الذى شهدته الإنسانية على مر العصور.

 

اترك رد