مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

المراهقة الوظيفية وسيكولوجية الموظف

47

بقلم – الدكتور أحمد عيسى:

قد يهمك ايضاً:

الحرية المطلقة للأبناء 

أنور ابو الخير يكتب : عندما تسقط الأقنعة

أعزائى القراء لعلكم إندهشتم من العنوان أو ظننتم أن هناك ثمة خطأ ما !!
ولكنها الحقيقة التى توصلت لها بعد دراسة مستفيضة وبسببها تحدث كثير من المشاكل والأزمات نظرا لعدم تفهم القائمين على الأمر طبيعة هذه المرحلة التى يمر بها الموظف .
كما أن هناك مراهقة عمرية يمر بها الإنسان فى أحد أطوار حياته ، فأيضا هناك مراهقة وظيفية يمر بها الموظف فى الفترة ما بعد أول خمس سنوات من توظيفه وحتى وصوله لعشر سنوات عمل فى وظيفته .
وهى مرحلة يتأثر بها الموظف سيكولوجيا نتيجة الضغوط النفسية التى يتعرض لها بعد تركه ميدان الدراسة وطرقه أبواب سوق العمل .
هذه المرحلة لا تختلف كثيرا فى أعراضها عن المراهقة العمرية التى يمر بها الإنسان .
وبسبب عدم تفهم المعنيين بأمر هذا الموظف، طبيعة المراهقة الوظيفية التى يمر بها ، يقومون بالصدام معه نتيجة تفسير تصرفاته وردود أفعاله بشكل خاطئ لعدم إدراكهم أن هذا الموظف يعانى من ما أطلقت عليه المراهقة الوظيفية .
وتعالوا بنا نقترب من أهم ملامح هذه المراهقة الوظيفية ، وتتلخص أهم ملامحها فيما يلى :
أولا حب الظهور وتسليط الأضواء :
فى  البداية أحب التأكيد على أن مرحلة المراهقة الوظيفية تبدأ بمرور  أول خمس سنوات على الموظف فى وظيفيته بشكل منتظم دون أى إنقطاع ، وتنتهى عند وصول الموظف لمدة عشر سنوات فى وظيفته ،وفى السنة الحادية عشر من دخوله ميدان العمل بعد تركه حياته كطالب وإبن يتحصل على مصاريفه من ولى أمره ، يصل لمرحلة النضج والأداء المتوازن الذى يميل إلى التريث وقراءة الأحداث بنفس عميق ، وذلك على عكس ما كان عليه فى بداية عمله من الرعونة والسخونة والتسرع فى قراءة الأحداث والحكم على الأشخاص .
إن عدم تفهم أصحاب الأعمال لهذه المراحل التى يمر بها الموظف تؤدى إلى سرعة دوران الأشخاص فى الوظائف وبالتالى خسارة فى المورد البشرى .
ثانيا : عدم التنازل عن الرأى
تبنى وجهات نظره والإستماتة فى الدفاع عنها وإعتبار نقدها أو تخطئتها إهانة شخصية لذاته ، تعتبر هذه أهم سمة من سمات مرحلة المراهقة الوظيفية التى يمر بها الموظف الجديد فى أول عشر سنوات وظيفية وتحديدا بعد مرور خمس سنوات .
إن على أصحاب الأعمال والمدراء تفهم طبيعة الموظف السيكولوجية فى هذه المرحلة ، وعدم تأويل ذلك على أنه موظف عنيد يعارض سياسات الإدارة .
وتعتبر مناقشة الفكرة من أهم سبل كسب تأييد الموظف لسياسات المؤسسة والإدارة فى هذه المرحلة الحرجة من حياته الوظيفية ،وكذلك على النقيض إن تم التسفيه من رأى الموظف وعدم توضيح وتبسيط وجهة نظر المؤسسة أو المدير والتى من المفترض أنها تعبر عن المصلحة العامة ، فإن المؤسسة سوف تضطر هذا الموظف للتحول إلى معول هدم بدلا من أن يكون أداة بناء .

ثالثا العزف المنفرد :
السمة الثالثة من سمات المراهقة الوظيفية هى العزف المنفرد والتى يلجأ لها الموظف سيكولوجيا ظنا منه أنه بهذا يبرهن للإدارة أنه كفؤ وقادر على إتخاذ القرارات وتحمل المسئولية ، وعلى الإدارة والمدير المباشر للموظف فى هذه المرحلة ، الإتفاق على سياسة تداول المعلومات فيما بينهم ، كذلك عمل تقرير يومى يقوم فيه الموظف بسرد كل الأعمال التى قام بها سواءا بالرجوع لرئيسه المباشر ، أو بشكل منفرد .
ومن أهم الأسباب التى تدفع الموظف فى هذه المرحلة السيكولوجية من حياته الوظيفية إلى العزف المنفرد ، أنه يخاف من سرقة مجهوده ونجاحاته من قبل أولئك المتربعون فى المستويات الإدارية الأعلى منه ، وللأسف كثيرا ما نكتشف أن وراء معظم النجاحات المنسوية للمدراء موظف صغير جدا مغلوب على أمره ، ويتم فضح أمر هؤلاء المدراء المتسلقون على أكتاف صغار الموظفين عند حدوث أول مشكلة فيما نسبوه لهم من إنجاز ، فلا يستطيعون حلها لأنها لم تكن فكرتهم من الأساس ، وبالتالى يتم ظهور هذا الموظف الصغير الذى يكون وحده قادرا على حل المشكلة لأنه وحده صاحب الإنجاز .
إن إنتشار ساسية سرقة إنجاز الصغار أثرت سلبيا على سيكولوجية كثير من الموظفين الجدد ، مما جعل سمة العزف المنفرد أحد سمات الموظف فى المجتمعات العربية وكذلك العمل بحذر وخوف ، وعلى المدراء والمؤسسات تفهم أن الموظف لم يلجأ للعزف المنفرد نتيجة صفات شخصية ولكنها طبيعة سيكولوجية تأثرت بشكل قوى بأنماط الحياة المهنية فى المجتمعات العربية على وجه الخصوص .
وبعد أن إنتهينا من شرح أهم السمات التى تقود سيكولوجية الموظف فى أول عشر سنوات عمل ، تعالوا بنا نقترب شيئا يسيرا من تقسيم وقتى لهذه الفترة التى أطلقت عليها المراهقة الوظيفية من حياة كل موظف .
تنقسم هذه العشر سنوات من خلال متابعتى الميدانية لعدد من الموظفين إلى أربع مراحل هامة أتمنى أن يفطن بها أصحاب الأعمال والمديرين والقادة فى كل مكان .
المرحلة الأولى تكوين الإنطباعات :
وتبدأ من أول يوم للموظف فى العمل وتستمر حتى إجتياز الموظف فترة الإختبار ويتأكد فيها من صدور قرار تثبيته بالعمل وإجتيازه فترة التدريب ، ويكون فيها الموظف مسالما جدا ولا يميل لأى مشاكل حتى لا يؤثر ذلك سلبا على وظيفته ، كما يسيطر عليه الخجل أيضا ، ويكون كل تركيز الموظف فى هذه السنة الأولى هو المراقبة لكل المحيطين به وبناء الإنطباعات عن كل من يحيط به سواء سلبا أو إيجابا ، ويحاول فيها معرفة قوة كل شخص محيط به ومن الممكن أن يختبرها حتى يكون إنطباع صحيح عن قوة كل شخص محيط به .
المرحلة الثانية الصراعات للحصول على المكتسبات :
وتبدأ هذه المرحلة بعد تثبيت الموظف وحتى العام الثالث من إستلامه للعمل ، ويعتقد فيها أن قانون الغاب وشريعته هى المسيطرة وأن صوته المرتفع دليل على قوة شخصيته ، وكذلك هذا الصوت المرتفع هو الذى سيحفظ له كرامته وكيانه ، وهنا يتضح دور العلاقات العامة الداخلية فى المؤسسة فى تفهم سلوك هذا الموظف وتوجيهه نحو الأسلوب الأمثل فى الحصول على ما يريد سواء مستحقات أو مكتسبات ، ولكن عدم وجود جهاز علاقات عامة داخلية قوى يؤدى إلى تفاقم الأمر ، خاصة أنه سيتم فهم هذا السلوك الوظيفى بشكل خاطئ وبالتالى فإن العلاج والإجراء المتبع سيكون خاطئ .
المرحلة الثالثة الإندماج وبناء تحالفات :
وتبدأ هذه المرحلة فى السنة الثالثة من إلتحاق الموظف بالعمل وحتى السنة الخامسة ، وفيها يكون قد أنهكته الصراعات وفكرة المؤامرة على وظيفته ، فيقوم بالإندماج مع من يتوافق معه فى صفاته ويبنى تحالفات معهم ظنا منهم أنهم بذلك سيكونون بمأمن من أى نزاعات إدارية قد تطيح بالضعفاء المنعزلون عن باقى الموظفين .
المرحلة الرابعة المنافسة نحو القمة :
وتبدأ من السنة الخامسة وحتى السنة العاشرة وهى موضوع مقال اليوم ، وفيها تظهر بوضوع أعراض المراهقة الوظيفية ، حيث أن المنافسة دائما ما ترتبط بحب الظهور وتسليط الأضواء ، وكذلك العزف المنفرد خوفا من سرقة المجهود ، وفى هذه المرحلة من الأهمية بمكان تربية الموظف تربية إدارية على مراقبة الله فى أعماله وأن يعمل الأمور الصحيحة من أجل تحليل راتبه والقيام بواجبات الوظيفة التى تعاقد عليها مع صاحب العمل وليس سعيا وراء الظهور وتسليط الأضواء عليه ، وأدعو المؤسسات إلى  إستحداث إدارة للإرشاد المهنى ، لأن الحالة السيكولوجية للموظف لا تقل أهمية عن الحالة الطبية والصحية ، والصحة الوظيفية للمؤسسات ستكون علامة فارقة بين المؤسسات المحلقة فى سماء الإقتصاد فى المرحلة القادمة من وجهة نظرى إن شاء الله .
وإلى اللقاء فى مقال أخر نسلط فيه الضوء على ثقافة إدارية جديدة لكى نكون قد قمنا بواجبنا تجاه الإصطفاف خلف الجهود المبذولة من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى والأجهزة المعنية  لرفعة وطننا الحبيب مصر .

اترك رد