مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

العفو عند المقدرة خير العبادات بعد النوافل

17

بقلم – فضيلة الشيخ فوزى محمد  أبو زيد:

الحمد لله ربِّ العالمين، العفو الغفور، الرؤوف الرحيم، الشفوق العطوف، الحنان المنان الذى لا يؤاخذنا بأعمالنا، ولا يحاسبنا على أفعالنا، بل يقابلها بمحض جوده وكرمه وغفرانه، وهو أرحم الراحمين. سبحانه .. سبحانه، نعصاه فيسترنا، وإذا رجعنا إليه تائبين أقال لنا عثراتنا، وغفر لنا زلاَّتنا، لأنه سبحانه وتعالى عفو كريم يحبُّ العفو عن عباده.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك، يحبُّ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ كان على خُلُقِه. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، الذى أدَّبه مولاه بما يحبُّه ويرضاه، فكان نعم العبد الذى يتخلَّق بأخلاق مولاه، ويسير على نهجه وهُداه، حتى قال لنا فى شأنه صلى الله عليه وسلمّ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4القلم).

اللهم صلى وسلمّ وبارك على سيدنا محمد صاحب الخُلق العظيم، وآله وأصحابه الذين ساروا على نهجه القويم، وانظمنا معهم فى عقد معيتهم بفضلك ومنّك وجودك يا حنان يا كريم.

أما بعد .. فيا إخواني ويا أحبابي:

يظن كثيرٌ من الناس أن العبادات الإسلامية التى عليها المكافآت الإلهية، وبها دخول الجنان الرضوانية هى الصلاة والصيام والزكاة والحج وفقط!! لكن هناك عبادات أجلُّ من مواطن تلك العبادات، لأن الفرائض لا يصل إليها شيءٌ من العُباد، فهناك عبادات أعظم فى الأجر والثواب من مواطن هذه العبادات، ومن سنن تلك المعاملات، وعليها حرص رسولكم الكريم صلوات الله وسلامه عليه، وبها أدَّب أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وهى عبادة النبيِّين وعبادة المرسلين.

جُلَّة تلك العبادات: عبادة العفو والصفح. وهل العفو عبادة؟!! نعم، بل أكبر عبادة يُثاب عليها المرء يوم لقاء الله عزَّ وجلَّ، حتى أن أول فوجٍ يدخل جنة الله، يقول فيهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلمّ: ( إذا كان يوم القيامة يُنادى منادِ الله عزَّ وجلَّ على أهل الفضل، قالوا: يا رسول الله، ومن أهل الفضل؟ قال: العافين عن الناس، ويكونون وجوههم تتلألأ كالقمر فى ليلة التمام) (أبو يعلى مرفوعاً).  فيكون أول فوجٍ يفرُّ من الزحام، ويدخلون الجنة بسلام، كما أنبأ النبى الكريم صلوات الله وسلامه عليه: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134آل عمران).

لماذا كان أهل العفو أوّل فوجٍ يدخل الجنة بعد النبيِّين والمرسلين؟

لأن أول خُلُقٍ تخلَّق به الأنبياء والمرسلون وأمرهم الله عزَّ وجلَّ أن يتخلقوّا به فى كل وقتٍ وحين، هو العفو: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الامْرِ (159آل عمران). أمر الله حبيبه ومصطفاه بالعفو فتخلقّ بهذا الخُلُقِ الكريم فى كل أحواله وفى كل أحيانه.

وعندما كان فى إحدى الغزوات ونزل المطر من السماء وإبتلتّ ثيابه بالماء، فذهب خلف شجرة وخلع ثيابه ووضعها فوق هذه الشجرة لتجّف، واستلقى على ظهره تحتها فنام، والأعداء يتربصون بالمسلمين من فوق رؤوس الجبال، فقال أحدهم ــ وكان قوى البأس شديد المراس: هذه فرصة لن تلوح لكم مثلها أبداً، فمحمد نائمٌ بمفرده تحت الشجرة، وأصحابه قد انفصلوا عنه، ونزل إليه رجلٌ ــ وكان صلى الله عليه وسلَّم نائماً ــ والعرب مع أنهم كانوا أهل جاهلية إلا أنهم كانوا لا يَغْدُرُون، ويعتبرون الغَدْرَ خُلُقاً رديئاً سيئاً لا يجب على الشجعان ولا الوجهاء ولا الأكفاء أن يفعلوه، فلا يعتدى رجلٌ منهم على غيره إلا إذا كان فى مواجهته.

فلما وجده نائماً جذب سيف رسول الله صلى الله عليه وسلمّ من على الشجرة ثم أيقظه، لأنهم لايقتلون غيلة، وكان يستطيع أن يقضى عليه وهو نائم، لكنهم  مع أنهم لم يدخل الإيمان إلى قلوبهم ولم تنطق بالتوحيد ألسنتهم ــ إلا أنهم كانوا لا يغدرون، ويعتبرون من يغدر قد ارتكب ظلماً عظيماً وجرماً كبيراً، ويشيع أمره بين الناس أجمعين. فأيقظه من نومه وقال له: يا محمد، من يمنعك منى الآن؟ قال: الله ــ فشُلتّ يده، وسقط السيف من يده في الحال. فأمسك صلى الله عليه وسلَّم بالسيف وقال له: ومن يمنعك منى الآن؟ قال عفوك وحلمك وكرمك، قال: عفوت عنك.

جاء ليقتله، ومكنَّه الله عزَّ وجلَّ منه!! لكنه وهو العفو الذى جمَّله الله بالعفو، وتخلقّ بخلق العفو، عفا عنه.ـ وكذلك مَنْ جمَّلهم الله بالتوحيد، وتابعوه فإن لهم المزيد.

هذا النَّبِيُّ الكريم صلوات الله وسلامه عليه كان يسكن بجواره رجلٌ يهودي، وكل يوم عند البكور يضع الرجل اليهودى حاجته ــ التى يقضيها ــ ثم يحملها ويلطخ بها باب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فإذا فتح الباب وجد هذا الحال، فيتحمَّس أصحابه ويقولون: دعنا نقتله، فيقول لهم: (إنه جار!! والجار ولو جار ــ والجار وإن جار)!! ( فما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه ) (رواه مسلم عن قتيبة بن سعيد رضي الله عنه). أي: يجعل للجار سهماً فى التركة لشدّة قُربه منى. فعندما أُصْبِحُ متأوهاً مِنْ أَلَمٍ أو مِنْ وَجَعٍ ــ مَنْ أوَّلُ مَنْ يُغيثني؟ جارى هو الذى يُغيثني قبل ابني إن كان بعيداً!! فالجار أوصى به الله عزَّ وجلَّ وأمر جبريل أن ينزل دائماً ليؤكد على حقِّ الجوار للنبيِّ المختار صلوات الله وسلامه عليه.

فكان صلى الله عليه وسلَّم يُحضر الماء ويغسل الباب، وإذا تصادف أن جاءه شيءٌ من فضل الله من الخيرات أو شيءٌ من النعم يقول لِمَنْ في المنزل: (ابدأوا بجارى اليهودي) ــ الذى يؤذيه ويشتدُّ فى إيذائه ــ لكن هكذا علَّمه الله، وعلَّمنا حبيب الله وصفىُّ الله صلى الله عليه وسلمّ.

ومرّت الأيام ومرض اليهودي، وخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم كعادته فلم يجد ما عوَّده عليه، ووجد الباب نظيفاً فتعجّب وتساءل: ماذا حدث لليهودي؟ فقالوا: إنه مريض، فقال: وَجَبَتْ علينا زيارته وعيادته. فذهب إليه زائراً وقال: يا هذا قد عوَّدتنا على عادة كل يوم، فلما افتقدناها اليوم سألنا عنك، فقالوا: إنه مريض، فقلنا وجبت زيارته، فلا بأس عليك. قال: يا رسول الله لقد آثرنى حُسن خُلُقِكَ، وأشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله.

وأنتم تعلمون جميعاً ماذا فعل فيه قومه ومَنْ حوله من أصناف الإيذاء، ومن أنواع العذاب، وعندما دخل عليهم بأمر الله فاتحاً، هرب كلُّ واحدٍ منهم، حتى أنَّ منهم مَنْ وصل إلى شاطئ بلاد اليمن هارباً، وهم يظنون أنه سيفعل بهم الأفاعيل لأن الله عزَّ وجلَّ مكَّنه منهم. فوقف على باب الكعبة وقال: (يا معشر قريش، ما تظنون أنِّي فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء، لا أقول لكم إلاَّ كما قال أخي يوسف لإخوته: ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92يوسف).

فجاءه نفرٌ وقالوا: يا رسول الله، إن ابن عمِّك صفوان بن أمية خرج ووصل إلى شاطئ اليمن خائفاً منك، قال: أمِّنُوه وقولوا له: ارجع فلن ترى إلا خيراً. فذهبوا إليه وقالوا: لا تخف، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خائفاً ــ وكان رسول الله قد رجع من غزوة الطائف ومعه الغنائم الكثيرة ــ فقال: يا صفوان ماذا يرضيك؟!! قال: أن تعفو عنِّى يا رسول الله. قال: قد عفوت عنك، ولك كل هذه الأغنام – وهى غنم بين جبلين تزيد على الخمسة آلاف رأس – فقال صفوان: لا تطيب بهذا إلا نَفْسُ نَبِيّ، والله يا رسول الله لقد جئتك وأنت أبغض الخَلْقِ إلىّ، والآن صِرْتَ أحبَّ الخَلْقِ إلىّ.

خلقٌ كريمٌ صنعه النبيُّ العظيم صلى الله عليه وسلم، وأسَّس شريعته على هذا الخُلُق. وعندما حجَّ حَجَّةَ الوداع، وخطب خطبته العصماء على جبل عرفة، أنهى كلَّ عادات الجاهلية، وأعلن بدء وجود العادات والأخلاق الإسلامية وقال: (إنَّ رِبَا الجاهلية موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وقضى الله أنَّه لا رِبَا، وإنَّ أول رِبًا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب، وإنَّ دماء الجاهلية موضوعة، وإنَّ أوَّلَ دَمٍ نبدأ به دَمُ عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية، والعَمْدُ قَوْدٌ، وشِبْهُ العَمْدِ ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد) (مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه).

وفى رواية: (وإن دماء الجاهلية قد انتهت فلا تطالبوا بدمٍ منها، لأنه جاء دين العفو – وأول دمٍ دمُ ابن عمى سفيان بن الحارث) (مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه). وكان قد قُتِلَ أبوه ويطالب بدمه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمهم العفو، وبدأ بنفسه صلى الله عليه وسلم ليعلِّمَنا أن ديننا هذا هو دين: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134آل عمران).

والأمثلة كثيرة في هذا المجال، ولا أريد ان أطيل عليكم، ولكن لنا مثلٌ واحدٌ عند الأصحاب!! فقد يقول البعض: هذا نبيُّ الله، وله حالٌ خاصٌ مع الله، لكن انظروا إلى أصحابه!!

فهذا أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه وأرضاه يتولَّى ابن خالته مُسطح بن أثاثة، يُطعمه ويُنفق عليه ويكسوه ويُعطيه كل ما يحتاج إليه، ويُروِّج المنافقون سوء الفتنة للحبيبة زوجة الرسول السيدة عائشة، ويتلقَّف مُسطح الخبر وينشره في كل أرجاء المدينة، ويتوّلى هو تدبيره، ويتوّلى هو نشره، ويتولى هو إذاعته في كل أنحاء المدينة!!!

فتراود نَفْسُ أبي بكرٍ أن يقطع عنه المعونة ولا يكفيه بالنفقة – لا يفكر أن يقتله أو أن يؤدبه، لأن هذا لم يكن يدور فى تفكيرهم لإخوانهم المؤمنين والمؤمنات، لكن كل الذى فكَّر فيه هو أن يقطع عنه النفقة التي كان يعطيها له – وإذا بالله عزَّ وجلَّ ينزل قرآناً خاصّاً له ويقول له: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ (22النور). فعندما قرأها رسول الله، قال: (بلى يا ربِّ أحب أن تغفر لي، عفوت عنه) ــ رغم ما فعل وما قال، لأن الله عزَّ وجلَّ يغفر ويعفو عمن يعفو عن إخوانه، ويحاسب بشدّة من يحاسب إخوانه بشدّة ــ الله عزَّ وجلَّ يعاملنا بما نعامل به إخواننا!!  ات

قد يهمك ايضاً:

الشيخ حسن طلحه رئيسا للإدارة المركزية للأزهر بالغربية

لقد رُوى نبيكم الكريم: (أن رجلاً أمر الله عزَّ وجلَّ به في النار، فقالت الملائكة: أليس لك عملاً صالحاً تذكره لله عزَّ وجلَّ ليعفو عنك؟ قال: لا، ثم تذكّر وقال: إني كنت أعمل تاجراً، وكنت آمر صبياني أن يتجاوزوا عن المُعسر وينتظروا حتى يُوسر، فقال الله عزَّ وجلَّ: تجاوزتُ عن عبدى، وأنا أحق بالتجاوز والعفو، وأنا أرحم الراحمين) (متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه مسلم عن أبي مسعود البدري وحذيفة رضي الله عنهما). عفونا عنك بعفوك عن الناس، أدخلوه الجنة لأنه كان يعفو عن الناس، ويتجاوز عن الناس، ولا يشكوهم لجهات حكومية مطالباً بالشيكات والكمبيالات التى يستدينون له فيها، بل ينظِرهم ويُمهلهم حتى يُوسِروا، ويعفو عن الذى ليس في استطاعته السداد.

عباد الله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم معلماً داعياً مولاه: (اللهم إنك عفو كريمٌ تُحب العفو فا عفُ عنا) (الترمذي والنسائي وأحمد عن عائشة رضي الله عنها). وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ جاءه أخوه متنصلاً ــ أي: معتذراً ــ فليقبل منه، مُحقًّا كان أو مُبطلاً، فإن لم يقبل منه لم يرد علىّ الحوض) (الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه). وقال صلى الله عليه وسلم ما معناه: (إذا كان يوم القيامة، يُنادى منادٍ من قدّام العرش: يا عبادي، أما ما كان بيني وبينكم فقد غفرته لكم، وأما ما كان بينكم وبين بعضكم فتجاوزوا عنه وأدخلوا الجنة برحمتي). أو كما قال، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين، نَحْمِدُكَ اللهمَّ سبحانك على أن هديتنا إلى هذا الدين، وعمَّرت قلوبنا بالهدى واليقين، وحبَّبتَ إلينا الإيمان وزينته فى قلوبنا، وكرَّهتَ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وجعلتنا من الراشدين، ونسألك سبحانك أن تديم علينا هذا الحال حتى تتوفانا مسلمين، وتلحقنا بالصالحين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ بالجُودِ معروف، وبالخير موصوف. وأشهد أن سيدنا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه من خَلْقِهِ وخليلُه. اللهم صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، واعطنا الخير وادفع عنه الشرّ، ونجِّنا واشفنا، يا ربَّ العالمين.

إن الإنسان لو عفا سيقولون عنه إنه ضعيف، أو إنه عاجز، أو إنه غير قوى، وهذا ما يردِّده أهل النفاق لإخوانهم حتى يمنعوهم عن الوفاق!! وأهل النفاق يحذرهم الله ويقول لهم: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145النساء).

لأنهم يعكِّرون صفو القلوب، ويثيرون الإحن والفتن بين النفوس، مع أن رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم يعلن: أنَّ هناك عبادة لا يُساويها قيام الليل ولا صيام النهار ولا تلاوة القرآن فى كل حركة وسكنة!!  فما هذه العبادة؟!! اسمعوه وهو يقول لكم: (ألا أنبئكم بما هو خيرٌ لكم من الصلاة ومن الصيام ومن الزكاة والحج؟ ــ ويقصد بذلك النوافل ــ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين) (أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه) ـ

الذى يسعى للصلح بين المؤمنين له أجرٌ عند رب العالمين خيرٌ من القائمين لله فى الأسحار وخيرٌ من الصائمين هذه الثلاثة أشهر متواصلة إلى ليلة العيد، وخيرٌ من الذين يحجُّون لله كل عام بعد حجة الإسلام ــ لماذا؟!! لأنه يسعى للوفاق بين إخوانه المؤمنين، وبين أهل بلده من المسلمين!! قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بما هو خيرٌ لكم من الصلاة ومن الصيام والزكاة والحج؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إِصْلاحُ ذَاتِ البَيْن، ألا إن فساد ذات البَيْنِ هى الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين) (أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه) ـ

فإذا فسدت نفوسنا، وقطعنا أرحامنا، فإنا بعد ذلك ندمر قيم ديننا، ونقضى على تعاليم قرآننا، لأن نفوسنا تركبنا وتحرِّكنا إلى الشرِّ وإلى الضُرِّ – ولو أن الله نهانا عنه، ولو أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حذَّرنا منه – والنفس في غوايتها تعمى عن أوامر الله وتسهو عن أحاديث رسول الله، مع أن فى هذا حرقها وهلاكها والعياذ بالله عزَّ وجلَّ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (9، 10الشمس). كل الذى يعفو يقول فيه رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزًّا) (مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه).

ولو نظرنا على مدى الدهر، ما الذى جعل الأولياء أولياء؟!! وجعل الصالحين صالحين؟!! هو تحمُّلهم الأذى عن الخلق، وعدم مكافأتهم السيئة بالسيئة، بل يكافئون السيئة بالحسنة!! فهذا الإمام علىٌّ يمشى، ويجرى حوله نفرٌّ يسبونه ويشتمونه، ولا يلتفت إليهم، حتى وصل إلى قريب من منزله فالتفت إليهم وقال: (إن كان عندكم شيء بقى فهاتوه، حتى لا يسمعكم أحدٌ من أولادي فلا يحتمل فيؤذيكم. فقال رجلٌ: يا هذا!! ما هذا الذى أرى؟!! فقال رضى الله عنه وأرضاه:

يخاطبنى السفيه بكل قبحٍ     فاكره ان اكون له مجيبا

يزيد سفاهةً وأزيد حلمـــــــــــاً    كعودٍ زاده الإحراق طيبا

فكلَّما زاد إيذاءً كلَّما ظهرتْ قوَّةُ الصَّبر والتحمُّل من الصالحين والأوفياء رضى الله عنهم وأرضاهم.

إخواني وأحبابي: لا تضيِّعوا دينكم فإنه أعزُّ شيءٍ تخرجون به من هذه الحياة، وأنتم خارجون للقاء الله عزَّ وجلَّ تحرصون على الإيمان، وتحرصون على تعاليم الإيمان، وتتمسكون بأخلاق النَّبِيِّ العدنان، حتى يكرمنا الله عزَّ وجلَّ بما أكرم به أهل القرآن.

نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الوسعة فى أخلاقنا، وأن يرزقنا السماحة فى صدورنا، وأن يرزقنا العفو فى كل معاملاتنا، وأن يجعلنا من الذين يعفون عن زلاَّت الناس ليعفوَ عنهم الله عزَّ وجلَّ.

اللهم حبِّبْ إلينا أخلاقك الإلهية، ورغِّبنا بالعمل بأوامرك القرآنية، وحبِّبنا فى إتباع السُّنَّةِ المحمدية، وبغِّضْ إلينا أحوال وأفعال وأعمال الجاهلية، وانظر إلينا بعين عنايتك يا أرحم الراحمين.

اللهم انظر إلينا نظر عطفٍ وحنان تُبدِّل به حالنا إلى أحسن حال.

اللهم أصلح أحوالنا، وأصلح أحوال أهل بلدنا، وأصلح أحوال أزوجنا، وأصلح أحوال أولادنا وبناتنا، وأصلح أحوال أموالنا وزروعنا وتجارتنا، وأصلح أحوال المسلمين أجمعين، يا ربَّ العالمين.

اللهم اغفر لعبادك المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

عباد الله: اتقوا الله، ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (90النحل).

اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.

 

اترك رد