مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الطاقة النووية ومستقبل الطاقة الآمن فى مصر

2

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

كان لحادث فوكوشيما فى عام 2011، تأثير سلبى مباشر على مشاريع محطات الطاقة النووية فى العالم، فهو قد أبطأ حركة نهضة مشروعات المحطات النووية، وعلى الأقل فى المدى القريب. لكن يجرى حالياً بناء أكثر من 52 مفاعلاً فى 13 دولة. ومن المتوقع بحلول عام 2035، أن ترتفع القدرة النووية إلى 590 جيجاوات، أى ما يزيد عن 47% عن القدرة الحالية، وهى 399.7 جيجاوات نتيجة تشغيل 450 مفاعلاً للطاقة النووية فى 31 دولة. ومن المتوقع أيضاً أن تستمر الاقتصاديات الناشئة، ولا سيما فى آسيا، فى توسعها النووى بسبب محدودية خيارات الوقود لإنتاج الطاقة، والحاجة الملحة إلى الطاقة.

إذا نظرنا الى مشروع محطة الضبعة النووى، فهو يعتبر أضخم مشروع فى تاريخ مصر القديم والحديث، فهو بداية نهضة مصر الصناعية. فإلى جانب الطاقة الشمسية، نجد أن محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء هى “طاقة المستقبل” على المستوى العالمى. بوصفها طاقة نظيفة وأمنة ورخيصة. فمشروع المحطة النووية لتوليد الكهرباء بالضبعة، يتميز بمميزات ثلاث أولها أنه مشروع هام جداً لإنتاج الطاقة الكهربائية، وثانيها أنه مشروع استثمارى بالدرجة الأولى، وثالثها أنه يمثل  أمناً تكنولوجياً قومياً لمصر.

فمن حيث كونه مصدراً للطاقة الكهربائية، فإنه يعمل على إنتاج الطاقة الكهربائية طوال اليوم وطوال الأسبوع، ويعمل أكثر من 90% من ساعات السنة، ذلك أن معامل السعة يزيد عن 90%، وهذا يجعلها أحد مصادر إنتاج الكهرباء التى تستخدم لتغذية حمل الشبكة الأساسى. كما أنها تستطيع أن تلبى احتياجات الشبكات الكهربائية المختلفة من القدرات الكهربائية، فهى تغطى مدى واسع، فتستطيع الحصول على محطات طاقة نووية ذات قدرات من 50 ميجاوات إلى 1700 ميجاوات.

ومن حيث كونها مشروع استثمارى بالدرجة الأولى، فإن المستهدف أن المشروع سيغطي تكاليفه فى مدة تقل عن خمس عشرة سنة، ذلك أن العمر التشغيلى للمحطة النووية هو 60 سنة، وهذا يؤدى إلى رخص سعر الكيلووات ساعة. كما أن هناك فرقاً يتراوح ما بين 240 مليون دولار إلى 340 مليون دولار فى سعر الوقود السنوى، فسعر الوقود النووى السنوى لمحطة قدرتها 1200 ميجاوات هو 60 مليون دولار، فى حين أن سعر الغاز الطبيعى السنوى لنفس المحطة يتراوح ما بين 300 إلى 400 مليون دولار، وهذا يعتمد على سعر الغاز الطبيعى.

ومن حيث كون المحطة النووية بالضبعة تمثل أمناً قومياً تكنولوجياً لمصر، فإنها حق الأجيال القادمة علينا، فمصر تتبنى فلسفة نقل وتوطين التكنولوجيا النووية فى المصانع المصرية، بهدف الأرتقاء بالصناعات المصرية لتصل الى رتبة الجودة العالمية، وذلك لزيادة فرص التصدير للخارج، وزيادة الدخل القومى من العملة الصعبة. فالهدف الأسمى من محطة الضبعة النووية هو “أمن تكنولوجى قومى”.

أيضاً مشروع محطة الضبعة النووية هو أمن قومى للطاقة الكهربائية النظيفة والرخيصة للوفاء باحتياجات نهضة البلاد وتنميتها. فخطة “خليط الطاقة” هى الخطة الاستراتيجية للدولة فى توليد الطاقة الكهربائية، وسوف تعتمد الدولة على كافة مصادر الطاقة المتاحة فى السوق العالمى، وهى المصادر الأحفورية والنووية والجديدة والمتجددة والطاقة المائية. والبديل الوحيد لمحطات الوقود الأحفورى والمتمثلة فى الفحم والبترول والغاز الطبيعى لتوليد الكهرباء هى محطات الطاقة النووية، لأن الطاقة الجديدة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هى طاقة متقطعة، فمحطة الطاقة الشمسية تعمل فقط فترة تواجد الشمس. وبناء على ذلك فالطاقة النووية كمصدر لإنتاج الكهرباء تستطيع تغذية الحمل الأساسى للشبكة، وهذا لا ينطبق على الطاقة المتجددة (شمس ورياح) فهى تعتبر طاقة مكملة وليست بديلة، لأنها طاقة متقطعة، فالطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا تصلحان لتغذية الحمل الأساسى للشبكة.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

عندما نستعرض تأثير محطات الوقود الأحفورى على البيئة المحيطة بها والمناخ عامة، يتضح لنا مدى أهمية محطات الطاقة النووية كمصدر من مصادر الطاقة النظيفة والآمنة. فمحطات الوقود الأحفورى لتوليد الكهرباء تعتبر أحد مصادر انبعاث الغازات الدفيئة Green House Gases- GHG ، والتى تتسبب فى ظاهرة الاحتباس الحرارى فينتج عنها ارتفاع فى درجة حرارة الأرض، محدثة تغييرات مناخية شديدة، منها التغيرات فى متوسط درجات الحرارة وهطول الأمطار الحمضية، وكذا الأحوال المناخية الشديدة مثل موجات الحرارة الشديدة، وزيادة فى تركيز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، والتغيير فى تركيز طبقة الأوزون.

فاستخدام المحطات النووية لتوليد الكهرباء حالياً، يساعد فى تجنب انبعاث أكثر من 2 مليار طن من ثانى أكسيد الكربون سنويا، والذى يكافئ تشغيل 400 مليون سيارة. حاليا 70% من الكهرباء على مستوى العالم يتم توليدها من المصادر الأحفورية، ونظراً لما تسببه الغازات الدفيئة من أضرار والتى من أهمها التغيرات المناخية، وكذا للحفاظ على عدم زيادة متوسط درجة حرارة الأرض عن 2 درجة مئوية. فبحلول عام 2050 لابد من أن 80% من الكهرباء تولد من مصادر لا ينبعث منها كربون، وبذلك سيكون المتاح من مصادر التوليد هى المائى والشمسى والرياح والنووى والتى لا ينبعث منها الغازات الدفيئة.

إذا ما تم مقارنة ناتج الغازات الدفيئة لكل كيلووات ساعة من محطات كهرباء تعمل بالفحم وأخرى تعمل بالغاز الطبيعى والثالثة تعمل بالطاقة النووية نجد الآتى: بالنسبة لغاز ثانى أكسيد الكربون CO2، فمحطة الفحم تنتج 1100 جرام، ومحطة الغاز تنتج 500 جرام، والمحطة النووية تنتج 60 جرام. وبالنسبة لغاز ثانى أكسيد الكبريتSO2 ، فمحطة الفحم تنتج 32 جرام، ومحطة الغاز تنتج 15 جرام، والمحطة النووية تنتج 0.05 جرام. وبالنسبة لغاز ثانى أكسيد النيتروجين NO2، فمحطة الفحم تنتج 5 جرام، ومحطة الغاز تنتج 1.5 جرام، والمحطة النووية تنتج 0.1 جرام.

أما بالنسبة لتأثير الإشعاع الصادر من تشغيل المحطة النووية، فهو ضئيل جداً جداً وقيمة الجرعة الإشعاعية السنوية التى يتعرض لها الإنسان هى 0.0002 مللى سيفرت، فى المقابل فنجد أن الإنسان من خلال حياتة اليومية يتعرض لجرعة إشعاعية سنوية من الأكل والشرب مقدارها 0.3 مللى سيفرت، وأيضا يتعرض لجرعة إشعاعية سنوية من الأشعة الكونية مقدارها 0.4 مللى سيفرت، ويتعرض لجرعة إشعاعية سنوية نتيجة غاز الرادون مقدارها 1.2 مللى سيفرت.

من هذه النسب فإننا نجد أن الجرعة الإشعاعية للمحطة النووية تساوى 0.006% من قيمة الجرعة التى يتعرض لها من خلال الأكل والشرب فقط (من الطعام والشراب). مما سبق يتضح أن محطة الضبعة النووية هى صديقة للبيئة المحيطة بها، فهى لا تسبب أضراراً نتيجة الغازات الدفيئة، ولا تسبب أضراراً نتيجة الإشعاع.

بعض ملامح الأمان النووى فى محطة الضبعة، وطبقا لمعايير الأمان النووى الحديثة، فقد تم توحيد معايير الأمان النووى فى الجيل الثالث من المفاعلات النووية على مستوى الدول المصنعة، فنجد أن معايير الأمان الأمريكية تتطابق مع معايير الأمان الأوروبية وتتطابق مع معايير الأمان الروسية. وطبقا للأكواد ومعايير الأمان النووية الحديثة، نجد أن مفاعلات الضبعة (وعاء الاحتواء للجزيرة النووية) لديها القدرة علي مقاومة زلزال بقوة 8 درجات على مقياس رختر، وهى تساوى عجلة تسارع زلزالى مقدارها 0.3 g، ويعد بذلك أعلى درجات الأمان التى يمكن أخذها فى الاعتبار، بالإضافة لتحمل وعاء الاحتواء تصادم طائرة وزنها 400 طن وتسير بسرعة 150 متر فى الثانية، وتحمل الفيضانات المدمرة، والسونامى بموجة ارتفاعها 14 متراً، وأقوى الأعاصير المدمرة.

أشكركم وإلى أن نلتقي فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

اترك رد