مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الريشة

13

بقلم – أحمد عبد الرحمن فرج الله:

الريشة البيضاء كالقطن المندوف تتصاعد في جو السماء، يماوجها هواء العصاري بالقدر الذي يدفعها لأعلى ببطء شديد، بينما أنا ملتصق بالمقعد الحجري ألاحقها بعين لاهثة وشغف طفل .

تصعد بمحاذاة البرج السكني من طابق إلى آخر يعلوه بإيقاع منتظم لا تحيد عنه، هنالك لمحت طفلاً صغيرًا تسلق القوائم الحديدية للشرفة وهو يحدق إلى السماء المكسوة بالغيوم البيضاء محلقًا لابد في فضاء خياله البكر غير مدرك لخطورة موقفه !

اُنتزعت روحي، ارتبكت خلجات نفسي، شلني الموقف عن التفكير والحركة، تجمدت في مكاني مثل تمثال، صرخت في صمت.. يااا ربي !!

قد يهمك ايضاً:

مهرجان دبي للكوميديا 2024 يستضيف مجموعة جديدة من نجوم…

تعاون استثنائي بين “دو” و”شاهد”…

الصغير مركز ثقله أقرب للسقوط منه للثبات في غيبة من أعين والديه، الريشة تمضي في معراجها حتى حانت من عينيّه الحالمتين التفاتة، فتتبعها مفتونا متهللا وجهه البريء بسعادة غامرة، مد يده نحوها، تقافز الجسد الضئيل، كاد يطير فرحاً، تغنى لقدومها بكلمات منغمة ما كان لي أن أتبينها !

ذات فجأة دفعها الهواء ناحيته فانزوت في أعلى زاوية الشرفة كنسيج عنكبوت، أدار رأسه صوبها، مال بجذعه اللدن نحو الداخل، متشبثًا بالإفريز حط قدم بعد أخرى فوق أرضية الشرفة، أظنها قطعة من سحاب واتته لتهدهد روحه بالفرح، أم ظنها فراشة جميلة منحته بمحبة بيضاء نفسها ؟!

تنفست الصعداء، رُدت إليّ روحي، انتفضت من مكاني، توجهت لبوابة البرج مهرولاً، أدرت ظهري للمصعد، ارتقيت السلم الرخامي بخفة الريشة رغم بدانتي وثقل حركتي، وصوت البواب يلاحقني مزمجرًا لأفصح له عن وجهتي !
أصل الطابق الرابع، أضرب الباب الخشبي بقبضتي يدي وبكامل قواي، اقتحم الشقة كالمجنون، استفسر الأم بغضب بالغ عن الشرفة أين هي .. من أين ؟!

أقبض على ملاكها متلبسًا بالفرح، أحتضنه بقوة، أعتصره، أغمره بالقبلات، بينما يجاهد الإفلات مني وهو يشير بأصابعه الدقيقة للريشة مغمغماً بغضب متطلعًا إليّ ممتعضًا !

 

التعليقات مغلقة.