مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الدكتور محمد الطاهر يكتب عن الدين الذي لا يعرف العنصرية

7

الإسلام دين المساواة لا يعرف التمييز والعنصرية

بقلم/ د. محمد الطاهر أحمد

مدرس العلوم اللغوية بجامعة عين شمس

 

خلق الله بني آدم من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتواصلوا ويتعارفوا ، وقد أكدت آيات القرآن هذه الحقيقة في أكثر من موضع ؛ فيقول سبحانه وتعالى : ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ” النساء 1 ، ويقول عز وجل : ” هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ” الأعرف 189 ، ويقول سبحانه : ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ” الحجرات 13 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكدا وحدة النسيج البشري : “كلكم لآدم وآدم من تراب ” .

 

ومعيار التفاضل البشري لا يرجع في الإسلام إلى عرق أو لون أو جنس أو لغة ؛ فالتفاضل لا يكون إلا بالتقوى والعمل الصالح ؛ فيقول سبحانه وتعالى : ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” الحجرات 13 ، ويقول عز وجل : ” إنما المؤمنون إخوة ” الحجرات 10 ، وقد كان هذا هو معيار التفاضل في الإسلام قولا وفعلا ؛ فلم يعرف الإسلام تمييزا ولا عنصرية على أساس لون أو عرق أو جنس ؛ فها هو ذا موذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال الحبشي الذي كان عبدا في الجاهلية ، وها هوذا سلمان الفارسي الذي ينحدر من أصول مجوسية يرتفع ويعلو شأنه في الإسلام ليصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ” سلمان منا آل البيت ” .

 

ولم يعرف الإسلام تمييزا بين الذكر والأنثى في مجال الطاعات والقربات من الله ؛ فيقول سبحانه وتعالى : ” فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب ” آل عمران 195 ، ويقول عز وجل : ” ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ” النساء 124 .

وقد دعا الإسلام إلى تحرير العبيد وعتق الرقاب ، وحبب المؤمنين في ذلك ، وجعل عتق الرقاب كفارة لكثير من الذنوب والخطايا ؛ فيقول سبحانه : ” لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ” المائدة 89 ، ويقول سبحانه وتعالى : ” والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ” المجادلة 3 ، ويقول عز وجل : ” فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة ” البلد 11 ، 12 ، 13 .

 

والإسلام لا يعرف المحاباة والمجاملة ؛ فالناس أمام الله سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى ، وليس بالنسب يعلو المرء بل بالعمل الصالح ؛ فيقول سبحانه وتعالى : ” ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ” النجم 38 – 41 ، ويقول سبحانه : ” وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ” الإسراء 13 – 14 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : ” أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى ” .

 

وتطبيق الحدود في الإسلام لا يميز بين فقير وغني أو بين ذي حسب وغيره ؛ فالحدود تطبق على الجاني وإن علا حسبه وكثر ماله أو كان ذا قربى؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فخْطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ” متفق عليه .

 

قد يهمك ايضاً:

وقد حضت آيات القرآن الكريم على العدل وعدم الجور وأمرت بالقسط وشهادة الحق ومعاقبة المخطئ وإن كان ذا قربى ؛ فيقول سبحانه وتعالى : ” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ” النساء 135 .

 

وقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم برسالة عالمية إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا ، ولم تكن رسالته للعرب وحدهم ؛ فكانت تطبيقا عمليا للمساواة بين البشر وعدم التمييز بين عرق وآخر ؛ فيقول سبحانه وتعالى : ” يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم ” النساء 170 ، ويقول عز وجل : ” قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ” الأعراف 158 ، ويقول سبحانه وتعالى : ” وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ” سبأ 28 .

 

والإسلام لا يعرف تمييزا بين الذكر والأنثى ؛ فكلاهما مكلف له حقوق وعليه واجبات ، واختلاف الحقوق والواجبات ليس تمييزا لجنس على آخر ؛ ولكنه ملاءمة طبيعية للاختلاف الفسيولوجي بين الجنسين ؛ فالإسلام لا يعرف تفضيلا للذكر على الأنثى ، والشواهد على ذلك كثيرة ؛ فقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأم وجعل مكانتها أعلى من مكانة الأب ؛ فقال يوصي صاحبه بأمه : ” أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ” ، والرجل في الإسلام لا يحق له أن يأخذ من مال زوجته شيئا إلا برضاها ؛ فيقول سبحانه : ” يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ” النساء 19 ، ويقول عز وجل : ” وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ” النساء 20 .

 

ولم يكن اختلاف ميراث الذكر والأنثى بين الأبناء من قبيل العنصرية أو تمييزا للذكر على الأنثى ؛ فالأنثى في مواضع أخرى ترث أكثر من الذكر ؛ كالأم والأب مثلا ؛ فيقول سبحانه وتعالى : ” ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ” النساء 11 ؛ فقول القرآن في ميراث الأبناء : ” للذكر مثل حظ الأنثيين ” النساء 11 ليس تقديما لجنس الذكر على جنس الأنثى ، وإنما زيادة ميراث الذكر على الأنثى في هذه الحالة جاء لاعتبارات أخرى لا علاقة لها بجنس أو نوع ؛ والدليل ما ذكرناه من زيادة ميراث الأم في بعض الأحوال على الأب ، وكذلك تساوي الأخ والأخت في الميراث ؛ فيقول سبحانه وتعالى : ” وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ” النساء 12 .

 

وقوامة الرجل على المرأة في الإسلام ليست إخضاعا لها أو إذلالا أو تقليلا من شأنها ؛ وإنما هي قوامة الإنفاق ؛ فالرجل في الإسلام هو المنفق على بيته والمتولي شئونه المادية ، والمرأة معززة مكرمة مخدومة من زوجها ، وإنفاقه عليها واجب عليه وحق أصيل من حقوقها ؛ فيقول سبحانه : ” الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ” النساء 34 .

 

والحاكم في الإسلام ليست له مزية يتميز بها عن باقي المسلمين ؛ فهو واحد منهم وطاعته مقيدة بشروط صلاحه وليس له فضل على من يحكمهم ؛ فها هو ذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين توليه الخلافة يؤكد هذه المعاني السامية في خطبته فيقول :
“أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ” .

 

والإسلام لا يعرف تمييزا على أساس دين أو مذهب ؛ فلأهل الكتاب في الإسلام مكانة خاصة ، ولهم حق على كل مسلم ، وبرهم واجب على كل مسلم ، يقول الله سبحانه وتعالى : ” لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ” الممتحنة 8 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة) رواه أبو داود .

 

والإسلام لا يعرف الإقطاع أو تكديس الثروات في يد الأغنياء دون غيرهم ؛ فهو يدعو إلى التكافل الاجتماعي في أسمى درجاته ؛ فيقول سبحانه وتعالى : ” ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ” الحشر 7 .

 

إن الإسلام دين المساواة والعدالة لا يعرف التمييز ولا العنصرية ؛ وإنما يدعو لتحقيق العدالة المطلقة دونما اعتبار لجنس أو عرق أو لون أو مذهب أو دين ؛ فالرب واحد وكلنا إخوة متآخون من نسيج بشري واحد ، فكلنا إنسان .. كلنا إنسان .

 

يا أيها الإنسان
ما بالك حيران ؟؟
والله خلقنا إنسا وجان
وجعلنا شعوبا وقبائل بلا نسيان
فلم تنسى أصلك أيها الإنسان ؟؟
أتنسى أنك كنت طينا منذ قديم الزمان !!
وأنك منه بدأت ومنه تعود بلا جاه ولا سلطان
وأنك رغم قوتك وجاهك لا تملك لنفسك ضرا ولا نفعان
فأنت بأي شكل وأي صورة ستظل مجرد إنسان
ذكرا كنت أم انثى أم طفلا أم شيخا أم فارسا من الفرسان
فليس بلون جلدك ستحظى بالمجد والعلوان
وليس لأجل دينك أو عرقك تعلو بلا حسبان
فالدين حق لله الواحد الديان
والقلوب كلها سواء بين يدي الرحمن
ولا تجزى كل نفس خيرا إلا بالإيمان
فلم تتكبر أيها الإنسان ؟؟
ولم تعلو بجنسك أو عرقك أو دينك بلا خجلان
فكلنا في هذه الدنيا إنسان
والله خلقنا جميعا بلا تمييز ولا فرقان
ونحن جميعا خلق من خلقه ومنه الغفران
فكن عاقلا واعقل حقيقتك أيها الإنسان
واعلم أنك لست أفضل من بني جنسك بجاه أو سلطان
ولست أفضل بكونك ذكرا او أنثى فكلنا إنسان
ولست أفضل بدين أو بعرق فالعبرة بالإيمان
فاستمسك بذاتك النقية أيها الحيران
ولا تسلك بتكبرك وتجبرك مسلك الشيطان
وكن مع إخوتك أخا أيها الإنسان
فكلنا إنسان .. كلنا إنسان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد