مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أغاني المهرجانات من الحواري للكمبوندات

61

أغاني المهرجانات من الحواري للكمبوندات

بقلم د. دعاء توفيق

شباب بين (النفور و الفوران ):

   الغناء الشعبي هو لسان الشعب، غالبا ما كان يتغنى بقضايا الطبقة الكادحة، وتمتلك مصر كمّا هائلا من التراث الغنائي والموسيقي، الذي يختلف ويتنوع وفقا للبيئة التي خرج منها، ويعتقد أن المصريين هم أول من ابتكر الغناء الشعبي، معبًرا عن وجدان الشعب وأحلامه وآماله وآلامه. واستخدم الغناء عبر التاريخ في مجالات عدة في الأفراح والحروب والاحتفالات والشعائر الدينية. وتعد المهرجانات الشعبية المصرية  نوع جديد من الأغاني الموسيقية الشعبية في مصر، والتي ذاع صيتها مؤخرا في الفترة ما بين 2011م -2020، وهي خليطٌ من موسيقى الراب والتكنو، أو موسيقى إلكترو-شعبي بصبغة فلكلورية.

ماهي أغاني المهرجانات؟

بدأت في أواخر سنة 2007 وتطورت حتي أخذت شكلاً قريبا جدًا من أغنيات الراب بأداء شعبي مصري قبل ثورة 25 يناير في سنة 2011.

كان مضمون أغاني المهرجانات غالبا يتحدث عن مشكلات الفقر والتهميش والمخدرات والصداقة، الخيانة والغدر وأحيانًا الغزل الصريح باستخدام كلمات تخدش الحياء ومبتذلة ومحركة للغرائز وانتشرت لشيوع صور التحلل الخلقي .

وبعد الثورة تطورت هذه الأغاني الشعبية من حيث الموسيقى على يد فرقة ( الدخلاوية) 2013م فأصبحت أكثر صخباً وأسرع إيقاعاً، كما صارت تتحدث في موضوعات سياسية واجتماعية واقتصادية وتنتقد الحكام بكلمات مستوحاة من شعارات الثورة.

كشفت الإحصاءات  عام 2018 سطوة موضة المهرجانات على سوق الأغنية،  إذ حقق مهرجان “العب يلا”  أكثر من 155 مليون مشاهدة على يوتيوب. وأصبحت أغنية بنت الجيران الترند رقم 2 عالميًا على ساوند كلاود؛ مما دفع بعض المجلات الدولية لكتابة بعض المقالات عن المهرجانات الشعبية في مصر مثل الصحفي الهولندي “ميشيل هوبتك ” الذى أطلق عليها “صوت الجيل الجديد “، وكتبت نيويورك تايمز “المصريون يهربون من الفوضى للتمرد بالموسيقى” .

أغاني المهرجانات من منظور اجتماعي:

أبناء المناطق العشوائية والشعبية والمهاجرون من الريف إلى المدينة بحثاً عن الرزق ولقمة العيش، والأسر الفقيرة الكبيرة العدد خرجوا إلى الدنيا في ظروف بالغة القسوة: يسكنون أحياء وبيوتاً مكتظة تفتقد الحياة الإنسانية الكريمة، تلقوا تعليماً سيئًا أو تسربوا من التعليم، تم الدفع بهم إلى سوق الأعمال الهامشية والحرفية في سن الطفولة، يتعامل معهم بقية المجتمع باعتبارهم فئات دنيا  في حين يمتلك أصحاب الرأسمالية الطفيلية الملايين والمليارات.

كل ما سبق يؤدي بهولاء الشباب إما إلى التطرف سواء الديني أو الانغماس في عوالم العنف والإدمان والجريمة.

ففي خضم (القهر-الفقر- الزحام – تدني مستوى التعليم- الكسب السريع من أعمال غير مشروعة – تقنيات عالية متاحة- وسائل تواصل اجتماعي سريعة الانتشار وغير مكلفة) نبعت أغاني المهرجانات وانتشرت؛ إنه الارتباط الطردي بينها وبين التوسع في قاعدة الهرم الطبقي.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب: أحلام ضائعة

ارتفاع أسعار الذهب بداية تعاملات اليوم الخميس

توجه بلغتها نقد للعقل الجمعي وتتمرد عليه. إنها حالة اللايقين واللامعنى والعبث والغموض التى يشعر بها الشباب حيال حاضرهم ومستقبلهم.

يحاول الشباب التمرد على جيل الآباء بتشكيل هابيتوس خاص بهم في الطعام والشراب والموسيقى والغناء والعلاقات الاجتماعية، والإعلان عن مشاكلهم (عبر حالة من الرقص والصراخ تشبة الزار ) للتنفيس عن تلك الشحنة من الرفض والغضب وقلة الحيلة  وخيبة الأمل.

فمن أشهر مقاطع مهرجان فرتكة “مش بفلوسك هيقولوا عنك راجل الرجالة .. فعلك بس وتنفذيك بالنسبالك أحسن حالة.. ما في ناس راكبين الفرس وهما مش خياله …”.

تحدثت هذه الأغنية عن أن المظاهر ليست كل شيء في الحياة، وعدم جدوى المال دون وجود الأخلاق، ومع الحث على عدم التباهي بالمال ونسيان الله لأن العمر بيديه. وصعوبة وقسوة الحياة وسوء أخلاق البشر.

ومن أشهر مقاطع مهرجان (حبيشة): وتلاقي عمرك يتسرق وفي مطرحك واقف.. عايز تكون وسط الأسود عافر وكافح.. تتشاط تشوط تنهي السكوت واقدرت تسامح.. التلميذ عملولو سلاح.. والمستقبل مش مضمون.. والبريء عملوه سفاح.. والعاقل خلوه مجنون.. يازمن آسي جاحد ياهوه.. مش قادرين بقي نفهمووه.

يتحدث عن البطالة – وضبابية المستقبل -وتناقضات الواقع وقلب الحقائق.. في”عالم منفلت”كما أطلق عليه “انتوني جيدنز” ….

أغاني المهرجانات من الحواري للكمبوندات:

ومن المفارقات أن أغاني المهرجانات تحقق أعلى مشاهدات على اليوتيوب، وتسافر أوربا وأمريكا ويحقق مطربيها أعلى الإيرادات. ويغنوا في أشهر الفنادق، والحفلات. وتنتقل من الأحياء العشوائية إلى أولاد الذوات. وهنا يأتي دورها (كمفرغ لشحنة عدم الرضا عن الواقع ووجود مشاكل نفسية لا حصر لها نابعة عن واقع اجتماعي يُعلي من الماديات ويمجد الجسد ويدني بالروح والقيم إلى مرتبة اللاقيمة حيث انتشار ( الغدر-الخيانة- الكذب -التملق) . فوجدوا ضآلتهم في الصراخ والرقص والصخب واللامعني واللامعقول ليشعروا بسعادة وقتية وهمية ليعودوا مرة أخرى إلى هذا الواقع الأليم .

فمن الناحيه الاجتماعيه معظم الشباب المصري والأطفال يتقبل أغاني المهرجانات بمختلف طبقاتهم الاجتماعية، ومؤخرا أصبحت أغاني المهرجانات النوع المفضل من الأغاني لدى الكثير من الشباب والأطفال، وظهرت رقصات خصيصة تتناسب معها.

أما كبار السن فمعظمهم وصف المهرجانات الشعبية بالفن الهابط، ووصفوه أيضا بكونه (دوشة) ليس له هدف أو معنى وأنه شتان الفرق بين المهرجانات والطرب المصري الأصيل.

أما الِفرق التي تغني موسيقى المهرجانات فرأيهم انهم يؤدون نوعا موسيقيا جديًدا من الممكن أن يكون غير مقبول عند فئات بعينها، ومقبولًا عند فئات أخرى خاصة الشباب.

وإذا عجزوا عن تحقيق ذلك في الواقع بسبب فرض القيود، يكفيهم العالم الافتراضى السيبراني يحققوا فيه أعلى مشاهدات فتتحقق الشهرة وتنهال الأموال.

فهل سنضع رأسنا في الرمال كالنعام ؟ قال ربوبرت شومان : “إذا أردت أن تتعرف على أخلاق الشعوب فاستمع إلى موسيقاها”. فلابد من وجود البدائل وتنقيح كلمات تلك الأغاني من خلال قيام المؤسسات والهيئات المعنية بدورها في حماية الشباب من مزالق الضياع والانغماس في تنفيس وهمي عن رغبات مكبوتة.

 

اترك رد