مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أطلس الأوقاف المصرية.. مضبطة لإدارة حق الفقراء

1

أطلس الأوقاف المصرية.. مضبطة لإدارة حق الفقراء

بقلم د/ أحمد علي سليمان

 طبَّق الرسولُ الكريم (صلى الله عليه وسلم) الوقفَ مبكرًا، منذ أوائل عهد الدعوة؛ بهدف إيجاد مصادر دائمة وثابتة للدخل القومي، وتأمين الإنفاق منه على أعمال البر وعلى المصالح العامة في بلاد الإسلام.. ثم توسع الخلفاء الراشدون في تطبيقاته، وتفنن المسلمون من بعدهم في تخصيص أوقافهم وتوجيهها؛ لخدمة الفرد والمجتمع والإنسانية، حتى بلغت الأوقاف ما لا يخطر على بال إنسان، فلم يترك المسلمون صغيرة ولا كبيرة من الحاجات الأساسية للمجتمع الإنساني إلا ووقفوا عليها ما يسد خلتها ويدفع بها إلى الأمام، وبما يساعد على خلق مجتمع مترابط ومتعاون تسوده المودة والرحمة والتآلف بين الناس.

وهكذا شكَّل الوقفُ الإسلامي عبر التاريخ عنصرًا أساسيًّا في حركة المجتمعات الإسلامية، حيث اضطلعت مؤسساته بمهام اجتماعية، واقتصادية، وتربوية، وثقافية، وعمرانية، وعسكرية، بل كان الوقف العمود الفقري لاقتصاديات عدد من الدول الإسلامية، خصوصا وأن فلسفته الأساسية تستهدف بقاء الوقف وديمومته وحسن رعايته وتعظيم ريعه وغيرها من الأسباب التي دفعت الواقفين إلى بذل الوقف، ليعيش الوقف حيا نابضا بالعطاء -بعد وفاتهم -ويبقى إلى يوم القيامة.

ونظرا لأن الأشياء الموقوفة في مصر وفي غيرها كثيرة جدا، ومترامية الأطراف، وتشمل الأطيان والأعيان والمباني السكنية والتجارية والإدارية، والحوانيت والمشافي والمدارس وغيرها من الأوقاف الثابتة، إضافة إلى الأوقاف المنقولة، ونظرا لمرور عقود طويلة تعرضت فيها لإهمال وتحرش، ونظرا لأن المحسنين الذين وقفوا أموالهم وقفوها بهدف أن تكون باقية وريعها باق إلى يوم الدين؛ ذلك أن الوقف هو حبس الواقف عينًا من أعيان ماله، فيقطع تصرفه عنها، مع بقاء عينه إلى يوم الدين، ويجعل منافعها وفوائدها وريعها كوجه من وجوه الخير، تقربًا إلى الله تعالى.

وانطلاقا من هذه المسئولية الخطيرة أمام الله أولا، وأمام الواقفين الذين رحلوا إلى ربهم وينظرون على أوقافهم من هناك، وانطلاقا من المسئولية الدينية والمجتمعية، فقد قامت الدولة المصرية ممثلة في وزارة الأوقاف، بالقيام بعدة إجراءات غاية في الأهمية ومن أهمها:

قد يهمك ايضاً:

مفتي الجمهورية يشارك في اجتماعات الدورة 23 لمجلس المجمع…

وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد…

أولا: إحاطة أموال الوقف بخطوط حمراء، تُرعب من تسول له نفسه الاقتراب منها، وإحاطتها بسياجات فلاذية متينة تحدد بجلاء وبدقة حدودها على أرض الواقع، لتكون في مأمن من اللصوص وأصحاب الحيل؛ ولتبقى هذه الأوقاف مهابة ومعظمة ومصانة في حماية الله أولا وفي حماية دولة قوية.

ثانيا: توثيق هذه الأمانات (الأوقاف) بشكل دقيق، وتأمينها حفظها وثائقيًّا وورقيًّا ورقميًّا من خلال مؤسسات لها قدم راسخ وكعب عال في هذا المجال، وهي: هيئة المساحة، ودار المحفوظات، ووزارة الاتصالات، وهيئة الأوقاف المصرية… تحت إشراف وزارة الأوقاف.

ثالثا: الشفافية والإتاحة: بحيث تكون كل المعلومات المتعلقة بالأوقاف وريعها ومصارفها متاحة للباحثين والمهتمين

 في كل مكان، ومن ثم الاستفادة من الخبرة التاريخية في بناء الحاضر والمستقبل، خصوصًا وأن العقل المسلم أبدع في توجيه الأوقاف في كل اتجاه غير الأوقاف على المساجد والمدارس، فهناك أوقاف على المؤذنين، والمؤقِتين –الذين يعيينون ويحددون مواقيت الصلاة- وإنشاء المستشفيات ودور الشفاء، ودور العجزة، ومساكن خاصة بإرضاع الأطفال، والتكايا والأسبلة والخانقاوات والملاجئ وبيوت النساء والأرامل والمطابخ والمغاسل والحمامات العامة، وأوقاف للمعوزين والمحتاجين، وأوقاف لتقديم مساعدات للبنات اليتامى عند زواجهن، ودفع الديون عن المدينين المسجونين، وتقديم الملابس للفقراء الطاعنين في السن، وتقديم المال لتجهيز ودفن الفقراء، وإنشاء الطرق، وإقامة الكباري، وشق الترع والقنوات الصغيرة التي تمد القرى بالمياه العذبة، وبناء المنازل الوقفية، والحدائق والمزارع والبساتين، وأوقاف لشراء كميات من الأرز أو الحبوب لإلقائها للطيور في مواسم البرد والجليد، وشراء طعام للحيوانات، وبناء المنائر لتحقيق الأمن للسفن عند اقترابها ليلاً من الثغور، وأوقاف خاصة بالآلات الرياضية، وأوقاف خاص لتأمين البلاد، وتمويل عمليات التحصينات العسكرية، والإنفاق على السفن الحربية، وأوقاف لتوفير جَهاز للعروس الفقيرة، وأوقاف على الصحون التي تتكسر بيد الخادمة لدفعه إلى سيدها، حتى لا تتعرض منه للضرب أو التوبيخ، وأوقاف خاصة بالحبر لتزويد العلماء والطلاب بالقدر الكافي من الحبر، ومنها أوقاف لرضاعة الأطفال، وأخرى لكبار السن من أصحاب القوارب، وكذلك الحمالين الذين لا يتمكنون من الاستمرار في العمل بسب كبر السن، ومنها وقف خاص لتوظيف عدد معين من الرجال لتنظيف الشوارع والأزقة من البلغم وما في حكمه، وذلك بصب الرماد عليه، وأوقاف لشراء الألعاب للأطفال الفقراء لجبر خواطرهم.. وغيرها كثير.

رابعا: تعظيم الاستفادة من هذه الأوقاف، فبعد أن تم تحصينها بقوة سلطان الدولة (واقعيا) وبسط حمايتها على أرض الواقع، و(توثيقيًّا) بحفظها وثائقها في أماكن آمنة ومؤسسات حكومية متخصصة، تأتي مرحلة الاستثمار الأمثل لهذه الأمانات، لتأتي بريع متعاظم يوما بعد يوم، ومن ثم زيادة سبل الانفاق ومضاعفته على أنشطة الدعوة وأعمال البر، وغيره مما سطَّره الواقفون في حجج أوقافهم تحقيقًا وتطبيقا للقاعدة الفقهية (شرط الواقف كشرع الشارع).

خامسًا: أن هذه الخطوات المباركة -مع خطوات أخرى لازمة لمعالجة أسباب عزوف الناس عن بذل الوقف منذ الخمسينيات من القرن الماضي- ستجعل المحسنين والواقفين يتجهون وبقوة -بإذن الله- نحو وقف أوقافهم على أعمال البر والخير، وسينتقلون نقلة نوعية -تضاف إلى الأنشطة الدينية والإنسانية والاجتماعية – إلى توسيع دائرة الوقف لتشمل: دعم البحث العلمي التطبيقي وربطه بمؤسسات العمل والإنتاج، وإنشاء الجامعات الوقفية الحديثة، والدخول في التخصصات الحيوية النادرة التي يتطلبها سوق العمل، والتي تفتقر إليها الجامعات الحكومية، بسبب كلفتها العالية، مثل: النانوتكنولوجي والبيوتكنولوجي، والحاسبات الفائقة، وعلوم الفضاء، والطاقة الجديدة وغيرها.. لتصبح هذه الجامعات جزءا مهما وركيزة أساسية في منظومة تقدم البلاد، وبما يحقق التقدم والرفاهية للمجتمع، ويقيني أن الهيئة والوزارة قادرَين على تحقيق ذلك.

إن حصر الأعيان الوقفية دفتريًّا ورفعها مساحيًّا من خلال فريق ملف الرفع المساحي لأعيان الوقف، وتدقيقها، وإصدار أطلس الأوقاف المصرية الذي سيصل إلى خمسة وخمسين مجلدا ضخما بالخرائط والرسوم والشروح ويضم خرائط للقطع الوقفية بنظام الرقم المسلسل، بحيث يكون شاملاً لجميع أعيان الوقف الخيري والأهلي على مستوى الجمهورية، لهو عمل خالد، ومضبطة لإدارة حقوق الفقراء، ومفخرة جديدة من مفاخر وزارة الأوقاف المصرية بقيادة وزيرها النابه أ.د/ محمد مختار جمعة، تضاف إلى رصيدها الواقعي في خدمة البلاد والعباد.

اترك رد