مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أحمد غزالة يكتب عمليات غسيل الأموال بين جمال المظهر وقبح الجوهر

10

بقلم أحمد غزالة
باحث فى الاقتصاد الإسلامي
معهد الدراسات العليا الإسلامية
عـمليات غـسـيـل الأمـوال هـى جـرائـم مالية خـطـيـرة بدأت تـنـتـشـر كـثـيراُ فـى السنوات الأخيرة ، وبدأ ينتشر هذا المصطلح محلياً ودولياً ، وأردت إلقاء الضوء عليها لكونها من أخطر القضايا التى تواجه اقتصاديات الدول محليا وعالمياً وتترك آثاراً سلبية خطيرة على الاقتصاد ، كما تهدد هذه الظاهرة الخطيرة أمن واستقرار وسلامة المجتمع ، وتعمل على انهيار القيم والمبادىء والأخلاق داخله ، وكان أيضاً من أسباب اهتمامى بهذا الموضوع فضلاً عن خطورته الاقتصادية أنه جرى العرف فى معظم الجرائم أن مرتكبيها يتصفون دائما بالجهل وغياب الفكر والثقافة ، ولكن هذه الجرائم ذات طابع مختلف فبعض مرتكبيها قد يتصفون بأنهم على درجة عالية من العلم والثقافة والفكر , وأحياناً من أصحاب السلطة والنفوذ ، ولكنها بحق عقولُ إجرامية ماتت ضمائرها وقلوبها ،وأحاول فى هذا المقال إلقاء الضوء على مراحل هذه الجرائم الاقتصادية الخطيرة فى محاولة لكشف أساليبها المتنوعة . . أولاً : الـتعـريـف بـعـمـلـيـات غـسـيـل الأمـوال وأسـبـابـهـا :: هى جرائم ذات طابع اقتصادى ، وتستهدف إخفاء هوية أموال غير نظيفة لإبعاد الشبهة عنها ، وذلك بتوجيهها نحو اسـتـثـمارات مـشـروعة وأنـشـطـة مـقـبولة اقتصادياً وقانونياً واجتماعياً ؛ لمحاولة إضفاء الصفة المشروعة عليها ، وهى بمثابة إخفاء وتمويه لحقيقة الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة ، وهناك من الاقتصاديـين يطلق عليها لفظ ( الأموال القذرة ) ، وتأت عمليات الغسيل لمحاولة تطهيرها وإبعاد الشبهة عنها ، ومحاولة إظهارها للمجتمع كأنها أموالاً مشروعة أو نظيفة . وتلك العقول الإجرامية التى تلجأ لهذه العمليات قد تمارسها خارج حدود الدولة بعد تهريب الأموال إلى دول تساعد على عمليات الغسيل ، وبتـتـبع هذه الظاهرة نجد أن السبب الرئيسى الذى يدفع الأفراد من أصحاب الأموال القذرة نحو عمليات غسيل الأموال هو البحث عن الأمان القانونى خوفاً من الملاحقة القانونية ، وخاصةً إذا كان القائمين بمثل هذه الجرائم من أصحاب الوظائف العامة داخل الدولة ، وفى أوقات كثيرة نجد أن أصحاب هذه الأموال القذرة لا يستطيعون ممارسة عمليات غسيل الأموال بأنفسهم فقد يكون أصحاب هذه الأموال فى وظائف عامة لا تسمح لهم بممارسة أنشطة تجارية وخاصة إذا كانت هذه الأموال لا تـتـناسب مع مصادر دخولهم من هذه الوظائف ، وهنا تكون هناك شبهة كبيرة حول تضخم ثرواتهم ،فيضطرون لدفع هذه الأموال لاستثمارها عن طريق وسطاء حتى لا يتم إلقاء الضوء عليهم فيكون من السهولة كشف تربحهم من وظائفهم بعد أن خانوا الأمانة وحنثوا فى اليمين إذا كانت وظائفهم من الوظائف التى تستلزم حلف اليمين قبل ممارستها ، وأيضاً عند القيام بعمليات الغسيل لا يقومون بدفع هذه الأموال نحو الاستثمار دفعةً واحدة ، ولكن يحاولون إدخالها إلى الدورة الاقتصادية بمكر ودهاء ثم إظهارها إلى المجتمع وكأنها أموالاً نظيفة جاءت من مصادر مشروعة ، وهذا ما سوف نتعرف عليه فى مراحل عمليات غسيل الأموال
ثانياً : مراحل عمليات غسيل الأموال . نجد بعد حصول الأفراد على الأموال غير المشروعة ثم توجيهها نحو عمليات الغسيل, وحتى يتمكن القائمون بها من خداع المجتمع وإيهامهم بأن هذه الأموال مشروعة المصدر فيكون هناك عدة مراحل وأساليب متنوعة لتنفيذ هذه العمليات القذرة ويمكن توضيحها على هذا النحو :
1- مـرحـلـة إيـداع الأمـوال .
بعد حصول الأفراد على هذه الأموال غير النظيفة والتى تكون فى معظم أحوالها فى صورة نقدية ، فيقومون بمحاولة تحويلها من صورتها الملموسة إلى الصورة الرقمية الإلكترونية على هيئة أرصدة حقيقية فى حسابات قائمة بالمصارف ؛ لمحاولة إدخال هذا المال القذر فى النظام المالى القانونى ، ثم تأت عمليات إيداع الأموال داخل البنوك بحظر شديد فلا تودع فى بنك واحد أوحساب واحد أو باسم شخص واحد ، فيتم إيداعها مجزأة فى حسابات متعددة ، حيث يقوم القائمون على هذه العمليات بفتح حسابات عديدة وبالتدريج وبعيداً عن البنوك الحكومية أو البنوك شديدة التدقيق فى مصادر الأموال ، ويتم البحث عن البنوك التى تكون حريصة على جذب العملاء إليها بأى طريقة حتى تتوفر لديها السيولة لممارسة نشاطها مع الحفاظ على السرية التامة لأصحاب هذه الحسابات لأن البنك هنا يكون مستفيد من وجود الأموال فى حوزته فلن يستفيد البنك شيئاً عند مصادرة هذه الأموال ، كما نجد أن القيام بفتح تلك الحسابات يتم بأسماء كثيرة كزوجاتهم وأبنائهم وبعض أقاربهم من أهل الثقة ثم تـتـنوع الودائع والحسابات , وتكون الأرقام بسيطة فى البداية ثم تبدأ فى الزيادة تدريجياً حتى لا تتضخم الأرصدة فجأة ، ويقومون بشراء اوراق مالية (أسهم وسندات ) متنوعة وتشكيل محافظ استثمارية بأسماء متعددة ومحاولة تسييلها فى بنوك دولة أخرى حتى يتمكنوا من إخفاء هوية هذه الأموال ، وإدخالها إلى الدورة الاقتصادية وكأنها أموالاً مشروعة المصدر . 2- مرحلة التمويه والتغطية فى هذه المرحلة تدخل تلك الأموال غير المشروعة فى العمليات المصرفية الملتوية ، فتقوم تلك البنوك بعمليات مصرفية معقدة ، وتهدف هذه المرحلة إلى فصل الأموال عن مصدرها المريب لمحاولة منحها غطاءً شرعياً وقانونياً ، ونجد كما أوضحنا سابقاً على حرص تلك العناصر الإجرامية على العناية فى اختيار البنوك التى تحقق أعلى سرية للحسابات ، وقد تكون هذه البنوك خارج حدود الدولة بعد تهريب الأموال للخارج ، ويصعب تتبعها حيث تقوم تلك البنوك بإقراضها لأشخاص كثيرة ثم استردادها ثم إعادة إقـراضها ، وبالتالى تدخل فى الدورة الاقتصادية فيسهل التمويه وإخفاء هوية الأموال ، و قد تلعب بعض شركات الصرافة دوراً هاماً فى تهريب هذه الأموال عن طريق تحويلها للخارج بمعاونة بعض شركات الصرافة الخارجية ببعض الطرق الملتوية كإدعاء أنها لتمويل عمليات استيراد فيتم إجراء مقاصة بين بعض شركات الصرافة فى الداخل والخارج لسهولة تهريب الأموال .
3- مرحلة الدمج فى الاقتصاد ( أخطر المراحل )
إن هذه المرحلة تعد من أخطر مراحل عمليات غسيل الأموال لأنها تكون أكثر أماناً وأقل خطورة حيث تندمج هذه الأموال التى أصبح لها مظهر قانونى ومشروع ، وقد تعود هذه الأموال لاستثمارها فى مكانها الأول الذى تحققت فيه بعد أن أخذت غطاءً شرعياً وقانونياً ،وفى هذه المرحلة يتم استخدام تلك الأموال فى بناء المشاريع الكبرى التى تدر دخلاً على الاقتصاد الوطنى ، ومن المعلوم أن أى دولة تشجع على الاستثمار لدعم اقتصادها ، وبالتالى تجد هذه الأموال الأبواب مفتوحة أمامها لتسهيل استثمارها بعد أن أخذت غطاءً شرعياً وقانونياً ، وفى هذه المرحلة تكون أهم الاستثمارات التى توجه إليها هذه الأموال القذرة الاستثمارات العقارية فيتم شراء الأراضى والشقق السكنية والتلاعب بالأسعار فى عقود البيع والشراء لإخفاء القيمة الحقيقية لهذه العقارات أمام الجهات القانونية ثم القيام بعمليات البيع والشراء ومحاولة إيهام الدولة والمجتمع أن هذه الأموال محققة من فروق أسعار العقارات ، وهنا تختلط الأموال غير المشروعة مع الأموال المشروعة ، ويصعب الفصل بينهما ، وبالتالى تسهل عملية التموية وإخفاء هوية تلك الأموال القذرة
ثالثاً : الآثـار الاقـتـصادية لـعـمـلـيـات غـسـيـل الأمـــوال
تترك عمليات غسيل الأموال آثاراً سلبية خطيرة على الاقتصاد المحلى والدولى ويمكن إيجازأبرزها فى النقاط التالية :
1- عمليات غسيل الأموال تتسبب فى زيادة معدلات التضخم حيث أن هذه العمليات يصاحبها فى الغالب زيادة فى الاستهلاك وخصوصاً الفئات ذات النمط الاستهلاكى غير الرشيد حيث يؤدى زيادة الاستهلاك إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات بنسبة أكبر من العرض مما يترتب عليه زيادة المستوى العام للأسعار وحدوث التضخم .
2- تؤثر هذه العمليات سلباً على معدلات الادخار والاستثمار ، بالنسبة للادخار فإن تسريب الأموال المغسولة نحو الخارج يساهم فى انخفاض الادخار داخل الدول المهرب منها الأموال المغسولة ،وبالتالى انخفاض نسب الادخار بالبنوك المحلية ، كما أن هذه الأموال أيضاً معظمها يتجه نحو الاستهلاك الترفى لكونها أموالاً تحققت بلا جهد وتعب مما يؤدى لانخفاض معدلات الادخار ، ويظهر الأثر السلبى لهذه العمليات القذرة على الاستثمار أيضاً حيث تعمل هذه العمليات على خلق مناخ استثمارى غير مناسب للاستثمار حيث عندما يكون هناك إشاعات كثيرة عن وجود عمليات غسيل أموال داخل الدولة يؤدى ذلك إلى عزوف المستثمر عن الاستثمار داخل الدولة ، كما تؤثر هذه العمليات أيضاً على الدخل القومى حيث تؤدى لزيادة دخول بعض الفئات على حساب فئات منـتجة داخل الدولة مما يزيد من حجم التفاوت بين الطبقات الاجتماعية ، فضلاًعما تسببه هذه العمليات من سوء توزيع العبء الضريبى 3- عمليات غسيل الأموال تتسبب فى تخفيض قيمة العملة الوطنية وتدهورها لأن تهريب الأموال للخارج يؤدى إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية مما يؤدى لتدهور قيمة العملة الوطنية مما قد يدفع الدولة لتعويم عملتها لمعالجة ذلك الأمر .

التعليقات مغلقة.