مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

هل فيروس كورونا حرب بيولوجية ؟

13

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

أسلحة الدمار الشامل تشمل الأسلحة النووية والأسلحة البيولوجية والأسلحة الكيميائية. وتستخدم فى الأسلحة البيولوجية الجراثيم و الميكروبات و الفيروسات، وتسمى أسلحة “الفقراء” نظراً لانخفاض تكلفة إنتاجها مقارنة بالأسلحة التقليدية أو النووية. وتبدأ خطورتها مع بداية تصنيعها، وتتطلب درجة عالية من معايير الأمان والأمن أثناء عمليات التصنيع وطوال مدة تخزينها.

بهدف تنشيط الذاكرة سوف أعرض عليكم أسماء بعض الأوبئة القديمة مثل: الطاعون والجدرى والكوليرا والتيفود وجرثومة الجمرة الخبيثة وهى أحد أنواع الأنثراكس الثلاثة (الجمرة الخبيثة الرئوية، الجمرة الخبيثة فى الجهاز الهضمى، الجمرة الخبيثة الجلدية)، ثم ظهرت في العقود الأخيرة أمراض معدية مثل:  الإيبولا وأنفلونزا الخنازير ومتلازمة الالتهاب الرئوى الحاد (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS).

الأسلحة البيولوجية تستخدم لنشر الأمراض والأوبئة فى صفوف القوات المعادية بهدف القضاء عليها، أو خفض الروح المعنوية لقوات العدو وهو ما يؤثر سلبيا على كفاءتها القتالية وبالتالى سهولة إلحاق الهزيمة بها. ولا يقتصر استخدام هذه الأسلحة فى أوقات الحرب فقط، وإنما تلجأ إليها أجهزة المخابرات أو التنظيمات الإرهابية أو الأفراد للقيام بأعمال انتقامية لقتل أفراد أو مجموعات محددة، وهذا ما شاهدناه من خلال وقوع حوادث كثيرة فى أماكن متفرقة من العالم.

على الرغم من أن السلاح البيولوجى سلاح بدائى، إلا أنه يعتبر أقدم سلاح دمار شامل استخدم فى حروب ما قبل التاريخ، ففى هذا الوقت من الزمن، كانت الجيوش لا تمتلك معامل تحاليل لاكتشاف وتحديد نوع الوباء، ولا تمتلك كوادر طبية قادرة على علاج المصابين، ولا الجيوش تمتلك وسائل حماية، وبالتالى كان السلاح البيولوجى له قدرة تدميرية رهيبة. ويقال أن جيش اليونان هو أول من استخدم هذا السلاح، ففى حوالى سنة 600 قبل الميلاد، استخدم جيش اليونان جذور نبات “هيليوروس” فى تلويث مصادر مياه الشرب التى يستخدمها أعداؤه.

أصبح السلاح البيولوجى يستخدم فى حروب الإمبراطوريات القديمة. وأصبحت عادة الجيوش قبل هجومها على المدن، تقوم بتلويث مياه الشرب بالقاء الحيوانات الميتة فى مصادر المياه. ويقال أن الصليبين أستخدموه ضد المسلمين في الحروب الصليبية، وأن المغول استخدموه عند اجتياحهم للعديد من البلاد، وأن الإنجليز أستخدموه لإبادة الهنود الحمر السكان الأصليين لقارة أمريكا. وخلال الحرب العالمية الأولى استخدم الجيش الألمانى الجمرة الخبيثة، والكوليرا، ومرض الرعام، وهو مرض معدى يصيب الخيل والبغال والحمير، ويصيب الإنسان عند التلامس المباشر مع الحيوان المصاب. وكذا خلال الحرب العالمية الثانية، هاجمت اليابان الصين بأسلحة بكتيرية كما أجرت تجارب بيولوجية على أسرى الحرب. وفى القرن العشرين، استخدمت العديد من الجيوش وأجهزة المخابرات والتنظيمات الإرهابية الأسلحة البيولوجية.

فى القرن الـ 21 ظهرت بعض الأوبئة منها:

  • وباء سارس SARS، متلازمة الالتهاب الرئوى الحاد، يتبع عائلة الفيروسات التاجية (كورونا)، وهو مرض تنفسى من أصل حيوانى، ينتقل الفيروس من القطط إلى البشر، ظهر سارس لأول مرة فى الصين فى نوفمبر 2002، وفى خلال بضعة أشهر، انتشر سارس فى جميع أنحاء العالم، وانتهى الوباء فى مايو 2003، وقد إلى وفاة 916 شخص.
  • وباء إنفلونزا الخنازيرH1N1، بدأ فى مارس 2009 فى المكسيك، وأعلن أنه وباء عالمى، ووصلت أعداد الوفيات إلى 15 ألف فى عام 2010، وانتهى تفشى الوباء فى العالم فى أغسطس 2010.
  • وباء ميرس MERS، متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، يتبع عائلة الفيروسات التاجية (كورونا)، وهو مرض تنفسى من أصل حيوانى، أُبلغ عنه للمرة الأولى فى عام 2012 فى السعودية، واعتباراً من يوليو 2015 انتشر فى أكثر من 21 دولة، وقد أدى إلى وفاة 311 شخص.
  • وباء إيبولا Ebola، انتشرعام 2014 فى بعض بلدان غرب أفريقيا، وتعتبر خفافيش الفاكهة المضيف الطبيعي لفيروس إيبولا، وينتقل الفيروس إلى الإنسان من الحيوانات البرية، وفى مارس 2016 تم السيطرة على الفيروس، وأدى إلى 11310 حالة وفاة مؤكدة.
  • وباء COVID-19، وهو يتبع عائلة الفيروسات التاجية (كورونا)، أُعلن عن تفشى الفيروس بشكل رسمى فى 31 ديسمبر 2019، وهو مرض تنفسى من أصل حيوانى، وانتقل الفيروس من الحيوان إلى البشر في “ووهان” فى الصين، أول إصابة معروفة حدثت كانت فى 17 نوفمبر 2019، وأصبح مصدر عدوى وينتقل من شخص إلى آخر بحلول أوائل يناير 2020، انتشر فى دول كثيرة، ولازالت دول العالم تصارع هذا الوباء اللعين.

لو تفحصنا فيروس “سارس” وفيروس “ميرس” وفيروس “كوفيد-19″، نجد أن الأعراض وطريقة انتقال الفيروسات بين الأشخاص وإرشادات الوقاية تقريبا متطابقة، لكن هناك اختلاف فى سرعة انتشار الفيروس.

هناك من يقول أن الوباء المنتشر حاليا هو غاز السارين SARIN، وأن مصدره مختبر تجارب للأسلحة البيولوجية الأمريكية فى أفغانستان، وأن عدد من الجنود الأمريكية حضروا عرضاُ عسكرياً فى مدينة “ووهان” الصينية ونقلوا هذا الوباء.

قد يهمك ايضاً:

د. محمد الحلفاوى يكتب الأنبا بولا.. وفلك المحبة

السيد خيرالله يكتب: صياد وزارة الزراعة .. عبده مشتاق مع…

هذا الإدعاء لا أساس له من الصحة، فالسارين يهاجم الجهاز العصبى، والأعراض تظهر خلال ثوانى معدودة بعد التعرض للسارين عندما يكون في صورة غاز، وخلال فترة تتراوح ما بين دقائق معدودة إلى 18 ساعة بعد التعرض له فى صورته السائلة. وتحدث الوفاة نتيجة للاختناق بسبب عدم القدرة على التحكم في عضلات التنفس. السارين مركب عضوى ويتم تصنيعه، ويتم استخدامه كسلاح كيميائى بسبب فعاليته العالية كغاز أعصاب. والتعرض له قاتل وحتى لو بتركيزات منخفضة للغاية، ويمكن أن يحدث الموت فى غضون دقيقة إلى عشر دقائق بعد الاستنشاق المباشر لجرعة قاتلة وذلك بسبب الاختناق الناتج من شلل عضلة الرئة. والأشخاص الذين يتعرضون لجرعة غير مميتة ولا يتم علاجهم فورا، يصابون بمرض مزمن فى الأعصاب. لكن على العكس فإن فيروس كورونا المستجد له فترة حضانة من بداية الإصابة حتى ظهور الأعراض هى ما بين يوم إلى 14 يوم.

وهناك فرضية تقول أن فيروس “كوفيد-19” والمنتشر حاليا، هو نتيجة حرب بيولوجية. ونحن نقول باستحالة أن يكون هذا الفيروس نتيجة حرب بيولوجية، وأن أجهزة مخابرات الدول لديها المقدرة على معرفة الحقائق، وحتى الآن لم يصدر عن أى دولة تضررت من هذا الفيروس اتهام صريح بأنها حرب بيولوجية.

فيروس كورونا هو كائن مجهرى مكون أساسا من حمض نووى محاط بغشاء بروتينى، وهو يعيش متطفلا داخل خلية تضمن له التكاثر، وتتسبب أغلب الفيروسات فى أمراض متفاوتة الخطورة. جاء فيروس سارس SARS، ثم جاء فيروس ميرس MERS، وأخيرا جاء فيروس كوفيد-19 (COVID-19)، وهو ناتج عن تحور لفيروس من عائلة كورونا. بل وفى دراسة نشرها الباحثون الصينيون فى أوائل شهر مارس 2020، وجدوا أن هناك سلالتين مختلفتين من فيروس كورونا كوفيد-19، أحدهما “أكثر عدوانية”، مما يعنى أن الفيروس تحور مرة واحدة على الأقل حتى الآن، وأن السلالة  الجديدة “المتحورة” وهى الأكثر عدوانية تنتشر بسرعة، وهى تشكل حاليا حوالى 70% من الحالات، ليثير بذلك مخاوف بشأن زيادة أعداد الإصابة حول العالم.

وقد قام العلماء بتحليل التركيب الجينى للفيروس للحصول على أدلة حول أصله. وكان من الواضح أن الفيروس لم يكن من صنع الإنسان، وإن التركيب الجينى لفيروس كورونا كوفيد-19 ليس مجرد خليط من الفيروسات المعروفة، وأن تشابه هذا الفيروس مع فيروسات الخفافيش هو أحد أفضل الأدلة على أن الفيروس طبيعى.

الاتهام الرسمى الوحيد جاء على لسان الرئيس “ترامب الأمريكى” إلى منظمة الصحة العالمية، حين اتهمها علانية وفى حديث متلفز وأمام الصحفيين، يوم 7 أبريل 2020، حيث قال “لقد أخطأوا فى الكثير من الأشياء، وكان لديهم كثير من المعلومات وفى وقت مبكر، ولم يرغبوا القيام بشئ، ويبدو أنهم منحازون إلى الصين، وعلينا البحث فى ذلك، ومنظمة الصحة العالمية لم تحسن التصرف، لقد ضاعت منها الفرصة، كان بإمكانهم الإعلان عن المرض قبل أشهر، وكان عليهم معرفة ذلك، وربما كانوا يعرفون،، لذلك سندقق فى الأمر بعناية، وسوف نوقف الأموال التى تُنفق على منظمة الصحة العالمية، وسنتعامل معها بحزم،، فعندما تعمل منظمة الصحة العالمية فهى تقدم أموراً عظيمة، ولكن عندما يخطئون باستمرار فهذا ليس أمراً جيداً”.

التأخير فى الاعلان عن تفشى فيروس كورونا سواء كان من منظمة الصحة العالمية أو من الصين، هو السبب الرئيسى لما تعانية البشرية حاليا من تفشى وباء حصد الآلاف ومستمر فى حصد الآلاف من أرواح البشر. فلو تم الاعلان بمجرد ظهور الفيروس فى مدينة “ووهان”، وكانت الصين أخذت إجراءات وقائية، ومن أهمها منع السفر من وإلى الصين جواً وبحراً وبراً، ثم اعتبرت “ووهان” مدينة موبوءة، وطلبت من دول العالم المساعدة فى محنتها، كان سيتوقف انتشار الوباء على مستوى دول العالم. ويقولون أن “الصين قد لا تكون مسؤولة عن ظهور المرض لكنها مسؤولة عن انتشاره بسبب غياب الشفافية وإخفاء الحقائق”.

نعم التأخير فى الإعلان هو السبب، فيكفى أن تعرف أن :

  • فى 1 ديسمبر 2019 رصدت أعراض الفيروس، وهى متاعب فى الرئة لعشرات الأشخاص فى مدينة “ووهان” الصينية.
  • فى 31 ديسمبر 2019 أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية بالمرض، لكنها أكدت أن هذا المرض غير معدٍ.
  • فى 31 ديسمبر 2019 أرسلت “تايوان” تحذيراً لمنظمة الصحة العالمية بشأن خطر انتقال الفيروس بين البشر، لكن هذا التحذير تجاهلته منظمة الصحة العالمية، وهو ما أدى إلى تأخر الاستجابة العالمية للوقاية من هذا الوباء.
  • فى 1 يناير 2020، كان قد غادر مدينة ووهان 175 ألف شخص إلى 21 وجهة عالمية ومن بينها دول أوروبية وأمريكا. ويقولون أنه “حتى 14 يناير 2020 ظلت السلطات الصينية تنكر انتقال العدوى من شخص إلى آخر، وظلت منظمة الصحة العالمية تردد ما تقوله الصين”، وذلك بعد مضى 6 أسابيع من اكتشاف أن المرض معدٍ من شخص إلى آخر.
  • فى 15 يناير أعلنت اليابان عن حالة اصابة نتيجة عدوى انتقلت من شخص مصاب، غير أن الصين لم تعلن احتمالية انتقال العدوى بين البشر.
  • فى 21 يناير 2020، أعلنت الصين أن المرض معدٍ وينتقل بين الأشخاص.
  • فى 23 يناير 2020، اعلنت الصين عن اتخاذ إجراءات العزل المنزلى.

فى هذه الفترة كان قد غادر مدينة “ووهان” الصينية 7 ملايين شخص إلى 26 دولة حول العالم. ويقولون “لو اتخذت الصين إجراءات العزل قبل 3 أسابيع من 21 يناير، لكان من الممكن تقليل حالات الإصابة بنسبة 95%، ولكان انتشار الفيروس محدودا فى دول العالم المختلفة، ولظل محصوراً داخل مدينة ووهان”.

هل اتهام “ترامب الأمريكى” العلنى لمنظمة الصحة العالمية جاء ليبعد الشبهة عن اتهامه فى تقصيره فى حق وطنه وحق البشرية جمعاء؟. نعم، هذا ما حدث. فوفق ما نقلته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، تبين أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، قد تقدمت بتقرير فى يناير 2020، نبهت فيه عن طبيعة الفيروس، وعن تتبع  انتشاره فى الصين، واحتمالات انتشاره فى دول العالم، ومحاولة الصين التقليل من خطورته. فضلا عن الإجراءات المفروض أن تتخذها الحكومة الأمريكية لاحتواء هذا الوباء. ورغم تواتر التحذيرات وتصاعدها فى نهاية يناير وبداية فبراير، إلا أنها لم تجد أذناً مصغية عند “ترامب الأمريكى”، وواصل التقليل من خطورة الفيروس على الأمريكيين، كما واصل اتباع سياسة التعامل بالحد الأدنى مع خطر زحف الفيروس على أمريكا، حتى أنه أبدى ثقة بأن خطر الفيروس سيبدأ فى الانحسار مع قدوم شهر أبريل، ولم يغير من سياسته إلا بعد فوات الأوان، وبعد ما كانت كل المؤشرات تدل على تفشٍ رهيب للفيروس فى أمريكا. لقد كان بإمكان “ترامب الأمريكى” اتخاذ إجراءات تحد من سرعة انتشار الفيروس فى دول العالم وعلى الأراضى الأمريكية، لكنه أخطأ فى حق البشرية جمعاء.

أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد