مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

محمد حسن حمادة يكتب: زمن الفن الجميل وفيروس كورونا

3

لاشك أنني من الجيل المحظوظ الذي عاصر الدراما التليفزيونية الحقيقية ولن أبالغ إن قلت أن هناك بعض أبطال هذه الدراما مازالوا يسكنونني وأثروا وجداني، مازالت هذه الشخصيات تعيش معي ومع كل أبناء جيلي بقيمها ومفرداتها وأصالتها كرأفت الهجان وجمعة الشوان وسليم البدري والعمدة سليمان غانم وعلي البدري قبل أن تصيبه رياح التغيير بعد صدمته في حبه الأول وطه السماحي والمعلم زينهم السماحي وناجي السماحي في ليالي الحلمية وزينب بنت الأسطي جعفر وابنها أحمد وبنت عمه ناهد الحالمة التي داوته من جراح الكراهية بدواء الحب في الشهد والدموع والدكتور مفيد أبو الغار في الراية البيضاء وعباس الضو ويوسف عباس الضو في المال والبنون وحسن أرابيسك في مسلسل أرابيسك وأبو العلا البشري الفارس المغوار الذي كان يمتطي صهوة جواده ويحمل سيفا من العصور الوسطي ويحاول تصحيح مسار القيم والمبادئ والأخلاق، فكان كباحث عن أطلال المدينة الفاضلة التي لم يعرف عنوانها إلا أفلاطون في مسلسل رحلة السيد أبو العلا البشري، ووفية في امرأة من زمن الحب وزيزينيا وحديث الصباح والمساء والمظ وعبده الحامولي وحمزة في مسلسل بوابة الحلواني ومسلسل الأيام وعبد الغفور البرعي في لن أعيش في جلباب أبي وعائلة الحاج متولي وذئاب الجبل والضوء الشارد وفاطمة تعلبة في الوتد ومسلسلي عمر بن عبدالعزيز وهارون الرشيد للمؤلف الراحل الرائع الذي لن يتكرر عبد السلام أمين وعصفور النار وأم كلثوم وغيرها من روائع الدراما المصرية التي كانت نقطة مضيئة في دفتر قوة مصر الناعمة التي كانت تميز شهر رمضان.

فمن منا ينسي تترات مسلسلات هذا الزمن التي لمست شغاف قلوبنا علي رأس هذه التترات تتر مسلسل الوسية كقصة نجاح وكفاح للدكتور خليل حسن خليل شخصية مصرية صرفة من نبت هذه الأرض تشبه لون طينها لفحته شمس مصر بلون سمارها فطبعت علي جبينه ريف مصر بحلاوته ومشقته وبساطته وفطرته وعناده وكبريائه وعراقته وأصالته وجذوره الطيبة، ورغم ظروفه الصعبة إلا أنه قهر كل الصعاب والمستحيل حتي يصل لحلمه لينتصر في النهاية علي مجتمع الوسية الطبقي، هذا المسلسل الذي يعد أحد أفضل روائع الدراما المصرية علي الإطلاق كلمات العم سيد حجاب وألحان القدير الموسيقار ياسر عبد الرحمن وغناء النجم محمد الحلو.

“مين اللي قال الدنيا دي وسية

فيها عبيد مناكيد وفيها السيد

سوانا رب الناس سواسية

لاحد فينا يزيد ولا يخس إيد

عش يابن آدم بكر زي الشجر

موت وانت واقف زيه في مطرحك

قد يهمك ايضاً:

د. محمد الحلفاوى يكتب الأنبا بولا.. وفلك المحبة

السيد خيرالله يكتب: صياد وزارة الزراعة .. عبده مشتاق مع…

ولا تنحني لمخلوق بشر أو حجر

وشب فوق مهما الزمان جرحك

لملم جروحك يا حزين وامشي

خطوة كمان وتخف أحزانك

واحلم بعين صحية ولا تنامشي

غير لما تقطف زهر أحلامك”.

مازالت أعمال المخرجين الكبار يحي العلمي وإسماعيل عبد الحافظ ومحمد فاضل ومجدي أبو عميرة هي الأقرب لقلبي فهم كانوا عباقرة هذه الفترة وصناع الإبداع فيها، أما مؤلفي وكاتبي المفضل فهو بلا شك وبصورة قاطعة نجيب محفوظ الدراما المصرية والعربية أستاذ الأساتذة المؤلف والسيناريست الأستاذ أسامة أنور عكاشة دون أن ينازعه منازع، أما مايسترو هذه الفترة وصانع بهجتها وموسيقاها التصويرية ومتعهد تترات مسلسلاتها الرسمي والحصري، فكان الموسيقار العبقري عمار الشريعي رحمه الله، أما شاعرها الأول فكان صديقه وشريكه ورفيق دربه العم سيد حجاب الذي تحل ذكري وفاته هذه الأيام، سيد حجاب هو شاعر البسطاء وشاعر العامية ومندوب أحلام الغلابة وسفير سعادتهم عبر كلماته التي تغرد بهم داخل آفاق الأحلام، ومن غير الفنان القدير صاحب الموهبة الاستثنائية الفنان علي الحجار الذي استطاع ترجمة إبداع هذه الفترة بصوته المتفرد وحنجرته الذهبية، هكذا كانت الدراما المصرية التي اقتحمت كل بيت مصري وعربي كضيف مرغوب فيه مرحبا به، مازال قابعا داخل كل بيت عربي بل داخل كل قلب وعقل عربي من المحيط إلي الخليج، وهؤلاء كانوا فرسانها المخضرمين، أما الآن فالدراما المصرية أصبحت معلبة يطغي عليها الشق التجاري، مزدحمة بالإعلانات والمعلنين حتي أنني أنسي مع الفاصل من كثرة الإعلانات ماكنت أشاهده.

شتان بين دراما كانت تبني جيلا حقيقيا وتخلق لنا شخصية وكيان وهوية والدراما الحالية التي تشبه فيروس كورونا المعدي وتسهم في خلق نماذج مشوهه تدمر الشخصية المصرية وتجعلها أقرب للمسخ، نحتاج لوقفة جادة لتصحيح مسار قوة مصر الناعمة التي تزحزح البساط من تحت أقدامها عدة سنتيمترات.

اترك رد