مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

كيف تفوقت كوريا الجنوبية فى تكنولوجيا المحطات النووية ؟

0

بقلم – الدكتور  على عبد النبى:

تعتبر تجربة كوريا الجنوبية فى توطين التكنولوجيا النووية فى بلادها، نموذجاً تقتدى به الدول الطموحة للدخول فى مجال امتلاك تصنيع التكنولوجيا النووية، فالصعود المبهر فى صناعة الطاقة النووية لم يأت من دون تحديات، فقد خططت ونفذت برنامج نووى متكامل، فهى تجربة ناجحة بجميع المقاييس، ويجب أن تكون أحد الدروس المستفادة التى تستند إليها مصر فى معالجتها لمشروعها النووى.

لقد كانت كوريا الجنوبية من أوائل الدول المهتمة بمجال التكنولوجيا النووية، فبدأ نشاطها النووى بعد الحرب الكورية (1950-1953)، ولكنها لم تبدأ مشروع بناء أول محطة نووية إلا فى السبعينيات، وكوريا الجنوبية هى من الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووى، وتبنت سياسة تهدف إلى الحفاظ على “شبه الجزيرة الكورية خالية من الأسلحة النووية”.

وضعت كوريا الجنوبية خطة من ثلاث مراحل لتوطين الكنولوجيا النووية فى بلادها، المرحلة الأولى تسمى “الاعتماد على الغير”، والمرحلة الثانية تسمى “منهج المكونات”، والمرحلة الثالثة تسمى “الاعتماد على الذات”، ولتنفيذ خططها النووية، فقد بدأت كوريا الجنوبية بعقد تحالفات تجارية فى مجال تكنولوجيا الطاقة النووية مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا واليابان، بغرض إنشاء محطات نووية.

في عام 1974، وقعت الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية أول اتفاق للتعاون النووى السلمى، وتسمى اتفاقية 123 (والتى تحمل رقم القسم 123 فى قانون الولايات المتحدة للطاقة الذرية 1954)، حيث  قاد هذا الاتفاق كوريا الجنوبية للتركيز على تطوير المراحل الوسطى فقط من دورة الوقود النووى، وهذا مفاده أن كوريا الجنوبية لا يحق لها امتلاك تكنولوجيا التخصيب وتكنولوجيا معالجة الوقود المستنفد.

فى إطار تنفيذ المرحلة الأولى من برنامج الطاقة النووية فى كوريا الجنوبية، تم التعاقد مع الشركات الأجنبية لبناء المحطات، على أن يكون دورالشركات الكورية هو اكتساب المعرفة فى مجال التكنولوجيا النووية لتصنيع المعدات والمكونات كحد أدنى،  ففى عام 1972 بدأ بناء أول محطة نووية Kori-1، من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR، بواسطة شركة وستنجهاوس الأمريكية، وكان مولد البخار والتربينة والمولد من شركة جنرال اليكتريك GE، وتم بناء هذه المحطة بنظام تسليم مفتاح، وقدرة المحطة الصافية 556 ميجاوات، وبدأ تشغيلها عام .1978 وفى عام 1977 بدأ إنشاء المحطة Kori-2، من نفس نوع محطة Kori-1، وبدأ تشغيلها عام 1983، وقد شاركت الصناعات الكورية بنسبة 12.9% فى تصنيع المعدات والمكونات للمحطة Kori-2. وفى عام 1977 أيضاً، بدأ إنشاء محطة Wolsong-1، موديل Candu-6، من نوع الماء الثقيل المضغوط PHWR، بواسطة هيئة الطاقة الذرية الكندية بنظام تسليم مفتاح، والقدرة الصافية للمحطة 657 ميجاوات، وبدأ تشغيلها عام 1983.

وفى إطار تنفيذ المرحلة الثانية من برنامج كوريا النووى، بدأ إنشاء المحطة Kori-3 والمحطة Kori-4، عام 1979 وعام 1980، وهم من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR، ذات ثلاث دوائر تبريد، بواسطة شركة هيونداى Hyundai، وقامت شركة وستنجهاوس الأمريكية بتوريد المفاعل، وشركة جنرال اليكتريك GE وردت مولد البخار، قدرة المحطة الصافية 895 ميجاوات، تعتبر محطة Kori-4 أول محطة نووية فى كوريا يتم فيها زيادة فترة دورة الوقود لتصبح 18 شهر، بدأ تشغيل المحطتين عام 1985 وعام 1986 على التوالى.

كما بدأ بناء محطتين للطاقة النووية وهما Hanbit-1&2، فى موقع Yonggwang، بواسطة شركة وستنجهاوس الأمريكية بنظام تسليم مفتاح، وهما من نوع PWR، ذات ثلاث دوائر تبريد، قدرة المحطة الواحدة 960 ميجاوات، وبدأ تشغيلهما التجارى عام 1986، وعام 1987.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

فى هذه المرحلة، كان التعاقد يتم مع شركات أجنبية لتصميم وتوفير المكونات الرئيسية، فى حين تم التعاقد من الباطن مع الشركات الكورية لتوفير المكونات المساعدة.

فى عام 1983، بدأ بناء محطتين للطاقة النووية Hanul-1&2، وهما من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR، ذات ثلاث دوائر تبريد، قدرة المحطة الواحدة 960 ميجاوات، وبدأ تشغيلهما التجارى عام 1988، وعام 1989، حيث وردت شركة “فراماتوم” Framatome الفرنسية المفاعلين، ووافقت على نقل التكنولوجيا إلى الشركات الهندسية والمصانع الكورية، كما قدمت شركة “ألستوم”  Alstomالفرنسية المولدات والتوربينات، وبالتعاون مع “فراماتوم”، قدمت مولدات البخار وخدمات الهندسة المعمارية، وساهمت الشركات الكورية بنحو 41.5% من مكونات المشروع، بما فى ذلك خدمات التشييد.

وفى إطار تنفيذ المرحلة الثالثة من مشروع كوريا النووى، والتى بدأت عام 1987، فقد كان الهدف توحيد معايير تصميم محطات الطاقة النووية، وتحقيق الاكتفاء الذاتى التكنولوجى فى مجال المحطات النووية. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، ففى عام 1987 وقعت شركة الطاقة الكهربائية الكورية (كيبكو) إتفاقية لمدة عشر سنوات مع شركة “براون بوفيرى وكومبسشن إنجنيرنج”  للحصول على وثائق التصاميم وأكواد الكمبيوتر، وتدريب المهندسين، والمشاركة فى برامج البحث والتطوير والإستشارات. ولتحقيق أهداف مرحلة “الاعتماد على الذات”، فلابد من أن تتحمل الشركات الكورية المسئولية، فيتم إسناد الأعمال إلى الشركات الكورية كمقاول رئيسى، ويتم إسناد تنفيذ الأعمال إلى الشركات الأجنبية كمقاول من الباطن من خلال العطاءات التنافسية.

ونتيجة لهذه المرحلة، تم صناعة وتنفيذ المحطة الكورية التى تسمى OPR-1000، وهى اختصار جملة Optimized Power Reactor، وهى ذات قدرة كهربية مقدارها 1000 ميجاوات، وهى من تطوير شركة الطاقة الكهربائية الكورية KEPCO ، وحاليا تمتلك كوريا الجنوبية 12 محطة نووية من موديل OPR-1000 فى الخدمة، كما تقوم حاليا بإنشاء الجيل الجديد من المفاعلات الكورية وهو موديل APR1400، وهى اختصار  Advanced Power Reactor، وهى من الجيل الثالث “+”، وقدرة المحطة 1400 ميجاوات. ويوجد من هذا النوع من المحطات محطة واحدة فى الخدمة، وعدد 5 محطات تحت الإنشاء.

كذلك تقوم كوريا الجنوبية أيضاً بإنشاء 4 وحدات فى دولة الإمارات العربية المتحدة من هذا النوع.

كان لتطور التكنولوجيا النووية أثر إيجابى على الصناعة فى كوريا،  فقد قادها تركيزها على تصنيع مكونات المحطة النووية إلى تطور رهيب فى مجال الصناعة الكورية، فقد شهدت مصانع الصلب ومصانع الآلات والمعدات ومصانع المعدات الكهربائية إنطلاقة إلى العالمية، وبلغت ذروة هذا النجاح فى تواجد شركات كورية متعددة الجنسيات، مثل شركة دوسان Doosan للصناعات الثقيلة.

كما أدت خبرة كوريا الجنوبية فى تصنيع الوقود النووى إلى تطور ونمو فى تصنيع التكنولوجيا العالية والبحث العلمى المتقدم، وقد دعمت كل هذه الفوائد الكبيرة الاقتصاد فى كوريا الجنوبية، وشهد ارتفاعا ملحوظا.

لكن مع كل هذه النجاحات المبهرة، إلا أنه من بين المفارقات الغريبة التى عكرت صفو هذا العمل الجبار، ظهرت أدلة تشير إلى أنه كان هناك تزييف وتزوير فى شهادات الأمان للعديد من المكونات في المفاعلات النووية الكورية، وهو ماتم الكشف عنه فى عام 2012 وعام  2013، وقد تسبب ذلك فى إغلاق بعض المفاعلات النووية، وتم توجيه الاتهامات بتهم تتعلق بالفساد لأكثر من 100 شخص، بينهم مسؤولون كبار في الصناعة النووية الكورية. الأهم من ذلك، فقد ساهمت هذه الفضائح فى فقدان الثقة العامة فى القدرات النووية لكوريا الجنوبية.

ومع ذلك، فقد نجحت الحكومة الكورية فى طمأنة الجمهور بأن مفاعلاتها آمنة من خلال قدر أكبر من الشفافية والصراحة، فهذا ضمان للصناعات النووية الكورية أن تظل من بين الأكثر تنافسية فى العالم، ونموذجاً للطامحين للإقتداء به.

أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

 

اترك رد