مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

فوضى الأحلام والفكر الخنفشاري.. مقال لحاتم السروي

3

فوضى الأحلام والفكر الخنفشاري

قد يهمك ايضاً:

بقلم/ حاتم السروي

نحن الآن في سنة 2020 أليس كذلك؟ فهل تسمحوا لي أن أتسائل عن سبب الاحتفاء الملفت بكل ما هو تافه وعديم الأهمية؟ وهل هناك أكثر تفاهة من أحاديث نفس يراها النائمون ثم يظنون بعدها أن لديهم قدرة على خرق حجاب الأسرار ومعرفة الغيب؟! وأرجو ألا يُفهم من هذه المقالة أنني لا أومن بالرؤيا الصالحة أو حتى بالأحلام التنبؤية وفق مفهومها البارسيكولوجي؛ فهذه المقالة لا تخوض ولا يخوض كاتبها في مجادلات دينية ويعرف أن للعلم الديني أهله؛ فأرجو من البعض أن يتخلصوا من آفة التصنيف السخيفة التي أصبح البعض لا يعرف غيرها ولا يجيد سواها. وما أكثر ما نشاهد أو نسمع بكل أسف من يرى حلمًا أو يراه له غيره فيسرع إلى موقع البحث الألكتروني (جوجل) ويفاجأ بأن تفسير الحلم ليس في صالحه أبدًا؛ حيث يتم تعبير مضمون هذه الأحلام العبثية بالخسارة في العمل التجاري أو الخصم في الوظائف الحكومية وربما بالطلاق بين الزوجين…إلخ. وما يصيبك بالغم رغمًا عنك أن الأخ النائم يصدق هذه التخاريف بل ويعمل على تحقيقها! فتراه مثلاً يتراخى في أداء عمله وربما افتعل مشكلة مع زملائه دونما سبب، وذلك بوحيٍ من تفسير الحلم الذي لم يكن في الحقيقة أكثر من (هَلْوَسَة)، ولأن كثيرين لا يفعلون شيئاً ذا أهمية إلا في النادر، ولأن لدينا ترسانة مبهجة من الخرافات، وميل واضح إلى التشاؤم؛ فإننا نقع بكل سهولة في شراك هذه السخافات، ونصدق أننا سوف نخسر وتنزل علينا المصائب من فوق أو تأتينا من أسفل، ونتقبل هذا الشؤم بسلبية غريبة، لماذا؟ لاعتقادنا أن القدر حكم علينا به، ثم لم يكتفِ بذلك بل عذبنا برؤيته أثناء النوم؛ لنصبح أمام مصيبتين: الأولى هي انتظار وقوع البلاء، والثانية هي البلاء نفسه. ولا أخبركم بجديد حين أقول أن الجعان يحلم بسوق العيش، وأن الجبان يحلم بالسَّلَعَوة، وأن الكئيب يحلم بالمصائب، وكل إناءٍ بما فيه ينضحُ، ومن لم يكن جميلاً كيف يشاهد في نومه وردًا وأشجارا، ومن لم يكن مرتاحًا في صحوه كيف يرتاح على فراشه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولو أردتم الحقيقة؛ فقد كنت أعد هذا المقال للحديث عن “نظرية الأحلام عند أرسطو” ولكن ماذا يفعل أرسطو أو فرويد بجلالة قدره حيال هذه العقول الطوباوية –نسبةً إلى الطوب- والتي لا يمكن أن نتفاهم معها لأنها لا تتفاهم حتى مع نفسها، كيف يمكن أن نفهم شاباً لا يزيد عمره عن 35 سنة أن الأعمار بيد الله وأن الحلم الذي فسره له رجلٌ شرير بأنه سيموت كان بسبب أنه أكل (فول ومسقعة وبصل أخضر) قبل أن ينام!. في أمريكا صعدوا إلى القمر، والبعض أنزل القمر إلى مستواه، وأصبح من يشاهد حلمًا سعيدًا يعلن الحداد؛ لأنه يعتقد أن كل شيء في الحلم معناه العكس؛ فإذا رأى نفسه ميتًا في مزبلة فمعنى ذلك أنه سوف يعيش ويفرح، أما لو رأى نفسه في صحةٍ وعافية فحتماً سوف يأتيه السل!. كلمة أخيرة..أيها السادة، إن النوم هو فقد الإحساس، والحلم –وليس الرؤية- صورة جاءت من المخيلة التي تعظم قوتها أثناء النوم لأنها تخلصت من المشاغل وهدأ صاحبها وما عاد يرى أو يسمع وانتفى عمل المؤثرات من حوله، وهذه الأحلام هي بقايا وترسبات من أفكارنا في عالم الصحو وما لدينا من طموح ورغبات مكبوتة وكل أحاسيس الأمل أو الحزن أو الرغبة، باختصار هي مخزونات العقل الباطن، وأكثر من ذلك – وهذا مشاهد ومعروف- أن الإحساسات العضوية أثناء النوم قد تؤثر في الأحلام؛ فربما رأيت أنك تسبح في بحيرة جميلة بينما إصبعك في واقع الأمر يكون مغموساً في كوب مياه نسيته أسفل السرير!! أو ربما حلم شخصٌ ما أنه يحترق بينما أخوه يشعل سيجارة في الصالون. والعجيب أن من يذهبون لمفسري ومفسرات الأحلام يعرفون ما ذكرته –غالباً- وبعضهم أطباء وأساتذة علوم في جامعات رسمية أوأصحاب مناصب ولهم وجاهة اجتماعية أو من أهل الفن، ولكن إذا تخلى المرء عن عقله فلن تنفعه شهادة ولن يشفع له تعليم، وسوف يستوى رغم وجاهته مع بسطاء الناس ولن تجد أية فروق بين الدكتور وبائع الفجل،وربك يستر علينا.

اترك رد