مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

سوريا تحترق بالغاز الطبيعى

6

بقلم – الدكتور  على عبد النبى:

العالم الذى نعيش فيه هو عالم متغير بطبيعة الأحوال، ولا يقوم على مبدأ الثبات، ولكن يقوم على مبدأ الاستقرار لفترات زمنية. والقاعدة الأساسية التي تحكم عالمنا هذا، هي المنافسة والحروب. والحروب بحد ذاتها ينشأ عنها فوضى، ثم يكون الهدف هو إعادة الاستقرار في مواجهة فوضى الحروب، وسوف تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهى سنة الحياة.

ولنا أن نؤكد ونقول: أن الصراع هو أساس الحياة، وأنواع الصراع كثيرة، منها الصراع على النفوذ وعلى الثروات وعلى الطاقة. وحتى يتسنى لنا التأكيد على فهم هذه الجزئية، فإنني استرشد بقول المولى تبارك وتعالى {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض ولكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين} صدق الله العظيم – سورة البقرة الآية 251. إن الحق يأتى هنا بقضية كونية فى الوجود، وهى أن الحرب ضرورة اجتماعية، وأن الحق يدفع الناس بالناس. وأنه لولا وجود قوة أمام قوة لفسد العالم، فلو سيطرت قوة واحدة فى الكون لفسد، ذلك أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

النظام العالمى يضعه من يستطيع إدارة الصراع، ومن يستطيع أن يضع شرعية للحروب، ومن لديه القوة لفرض قواعد اللعبة. وخلف كل صراع سياسي ابحث عن الاقتصاد، وخلف كل صراع داخل دولة ابحث عن الصراع خارج حدودها. والصراع الذى نحن بصدده، هو صراع يعكس الرهانات السياسية والاستراتيجية للهيمنة على موارد الغاز الطبيعى وخطوط امتداداتها.

بدايةً، وحتى يتسنى لنا تبسيط موضوع المقال فإنني أحب أن أذكر بعض النقاط الهامة، وهى: أولا، الولايات المتحدة الأمريكية رغم أنها أقوى اقتصاد فى العالم – حيث تملك 24.4% من اقتصاد العالم البالغ 80 تريليون دولار- إلا أن الدين الأمريكي تجاوز الـ 21 تريليون دولار، ومن المهم أن تحافظ الولايات المتحدة الأمريكية على هيمنتها على العالم كدولة عظمى، وذلك من خلال سيطرتها على ثروات كوكب الأرض. ثانيا، السلع التى تنقل من خلال الممرات البحرية والبرية والجوية هى أساس الاقتصاد العالمى. ثالثا، الشرق الاوسط هو سرة ممرات هذه السلع وخاصة البترول والغاز. رابعا: الشرق الأوسط هو مصدر رئيسى لأهم سلعة فى العالم، وهى البترول والغاز. خامسا: الغاز الطبيعى يعتبر أهم مصدر أولى للطاقة النظيفة فى القرن الـ 21.

روسيا تمتلك أكبر احتياطى غاز فى العالم (1235 تريليون قدم مكعب)، ولذلك أقرت روسيا استخدام غازها الطبيعى للسيطرة الاقتصادية والسياسية كقوة عظمى. وأوروبا هى أكبر مستورد للغاز الطبيعى فى العالم، وروسيا يهمها في المقام الأول أوروبا. وزيادة نفوذ روسيا الاقتصادي والسياسى فى القارة الأوروبية، سوف يؤدى إلى تخفيض حجم المخاطر الاقتصادية والعسكرية التي تهدد أمن روسيا القومى، وهذا يستتبع أن تظل أوروبا معتمدة على إمدادات الغاز الروسى. فإمداد أوروبا بالغاز الطبيعى الروسى ضرورة حتمية لا يمكن الاستغناء عنها لعقود طويلة باعتبار أن روسيا هى الدولة الأكثر إنتاجاً للغاز الطبيعى والأقرب جغرافيا للقارة العجوز، فمنذ الثمانينات وأمريكا وبعض الدول الأوروبية تطلب من أوروبا أن تحد من تبعيتها للغاز الروسى، خوفا من ممارسة روسيا ضغوطا على المستوى السياسى على أوروبا.

وبطبيعة الحال، لكى تدخل روسيا إلى سوق الغاز الأوروبى، فلابد من نصير، ووجدت روسيا أنها لابد وأن تعتمد فى وجودها كمورد للغاز الطبيعى إلى أوروبا على كتلة الجنس الجرماني والمتمثلة فى ألمانيا والنمسا وسويسرا والتشيك، حيث أن هذه الدول تعتز بنفسها ويمتلكها الإحساس بانها جنس مختلف عن باقى الدول الأوروبية، وألمانيا يهمها فى المقام الأول أن تخرج من تحت عباءة وسيطرة وهيمنة أمريكا عليها، وإن صح القول من تحت الاحتلال الأمريكى. ولا ننسى أن المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” تربت ونشأت فى ألمانيا الشرقية قبل توحيد ألمانيا، وهى دولة كانت تتبع المعسكر الشرقي وتحت قيادة الاتحاد السوفييتى السابق. ألمانيا لها شراكة فى العديد من المشاريع الروسية، وهناك شركات ألمانية تشارك روسيا فى مجال استكشاف البترول والغاز بمعدات متطورة. ونستطيع أن نقول، أن ألمانيا ساعدت روسيا فى تسهيل مهمتها لتوريد الغاز الروسى لأوروبا.

بدأت روسيا فى توريد الغاز الطبيعى لأوروبا عبر أنابيب تمر فى الأراضى الأوكرانية، لكن عندما رمت أوكرانيا نفسها فى أحضان أمريكا، قامت روسيا بمد خط أنابيب مباشر إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق وهو خط “السيل الشمالى”. طبعا جن جنون أمريكا، وتحالفت مع بعض الدول الأوروبية لتنفيذ مشروع خط أنابيب جديد وهو خط “نابوكو”، لجلب غاز دول أواسط آسيا “تركمانستان وأذربيجان وأوزبكستان” ليمر من حوض بحر قزوين وجورجيا إلى تركيا وبلغاريا ورومانيا والمجر والنمسا. وكان الهدف من خط “نابوكو” هو إضعاف روسيا كمورد رئيسى للغاز إلى أوروبا، ولكى لا تعتمد أوروبا على روسيا كمورد رئيسى للغاز الطبيعى. سارعت روسيا بالرد السريع على مشروع خط “نابوكو” ونجحت فى تعطيله وإفشاله، وذلك عن طريق شراء 80% من غاز تركمانستان لمدة 10 سنوات، وبذلك يصعب على تركمانستان تأمين الكمية اللازمة لمشروع خط “نابوكو”، كما رفضت إيران ضخ غازها الطبيعى فى هذا الخط.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب: أحلام ضائعة

الاستمتاع بنعمة البصر ودلالته الفسيولوجية

فضلت إيران أن تضخ غازها الطبيعى عبر أراضى العراق وسوريا إلى أوروبا، ورفضت أن تشارك بضخ غازها الطبيعى عبر خط “نابوكو”، وهنا كانت الطامة الكبرى لمشروع “نابوكو”. وهذا ما يفسر لماذا تواجه إيران صعوبات مع أمريكا وحلفائها فيما يخص مشروعها النووى.

دولة قطر أكبر منتج للغاز المسال فى العالم، وتستورد أوروبا غاز مسال من قطر. وقطر أعلنت صراحة أنها تسعى لمنافسة مبيعات الغاز الروسى لأوروبا. كما أن قطر كان مقدرا لها أن تشارك بضخ غازها الطبيعى عبر خط “نابوكو”، ولكن عندما فشل هذا المشروع، أرادت قطر مدعومة من أمريكا أن تضخ غازها عبر السعودية والأردن وسوريا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا وهو مشروع “خط الغاز القطرى”، ورفضت سوريا هذا المشروع حماية للمصالح الروسية والمصالح الإيرانية. فى المقابل اتفقت إيران مع العراق وسوريا لتنفيذ خط “الأنبوب الإسلامي”، لتصدير غاز إيران  إلى أوروبا مرورا بالعراق الى سوريا، وهذا الخط تدعمه روسيا لكى يقضى على خط الغاز القطرى. وبذلك نستطيع أن نفسر دور قطر وكذا دور إيران فى حرب سوريا. ويتضح لنا أن إيران وروسيا تدعم سوريا فى رفضها ضخ الغاز القطرى عبر أراضيها إلى أوروبا، وأمريكا وتركيا وإسرائيل تدعم قطر فى تصدير غازها لأوروبا، وذلك لكسر احتكار سيطرة روسيا على سوق الغاز الأوروبى.

السعودية أيضا تريد تمرير غازها الطبيعى عبر أراضى سوريا. فمن المعلوم أن السعودية، تمتلك احتياطيات غاز ضخمة، وهى تتركز فى منطقة الربع الخالي، وكذا فى شمال شرق السعودية حيث يوجد حقل “غوار” ذو الاحتياطى الضخم من الغاز الطبيعى. السعودية يهمها تصدير هذا الغاز إلى أوروبا عبر الأراضى السورية، ولكن بعد إزاحة النظام السورى، وهذا ما يفسر دور السعودية فى حرب سوريا.

ثروة سوريا الضخمة من الغاز والبترول كان مقدرا لها أن لا تظهر إلى الوجود، فقد كانت أمريكا وفرنسا وإنجلترا تضغط على شركات الغاز لكى لا تقوم بمسح الساحل السورى ومياهه الاقتصادية. إلى أن جاءت شركة نرويجية وقامت بمسح المياه الإقليمية والاقتصادية لسوريا، واكتشفت أن سوريا تعوم على بحيرة من الغاز الطبيعى والبترول. واكتشف أن 38% من ثروة سوريا من البترول والغاز توجد فى البحر، وأن احتياطي الغاز يقدر بحوالى 10.83 تريليون متر مكعب. وأن 62% من هذه الثروة توجد داخل أراضى سوريا، وهى تتركز فى أراضى شرق الفرات، وهذه المنطقة تتواجد فيها 10 قواعد أمريكية. أما التقديرات الأولى من البترول فى الجولان المحتلة فهى قدر إنتاج السعودية من البترول.

موقع سوريا الاستراتيجي، أعطاها ميزة أن تكون بوابة دخول الغاز الطبيعى القادم من أواسط آسيا أو من دول الخليج أو من السعودية إلى أوروبا، وهذا ضد المصالح الروسية. فالغاز الطبيعى بالنسبة لسوريا أصبح نقمة، فمن جرائه تحترق سوريا، حيث تجمعت الدول واتفقت على حرق سوريا لتلبية مصالحها الاقتصادية، فحكومة سوريا هى العقبة أمام أمريكا وبعض حلفائها وأمام قطر والسعودية.

الحرب فى سوريا ليست لإسقاط نظام الحكم فى سوريا لتطبيق الديمقراطية المزعومة، كما أنها ليست حربا دينية. الحرب فى سوريا هى حرب بالوكالة تغذيها الدول العظمى والدول المنتجة للغاز الطبيعى، وإن صح نستطيع أن نقول إنها “حرب الغاز الطبيعى”. حرب مسعورة، حرب دمرت ممتلكات ومقدرات دولة سوريا القوية، الشعب السورى أصبح مشردا فى دول العالم، ومن تبقى فى سوريا أصبح يعيش بين الأنقاض وبين الموتى، حرب قضت على الأخضر واليابس. هم يريدون السيطرة على سوريا لعبور الغاز الطبيعى للدول الحليفة لأمريكا إلى أوروبا بدلا من غاز روسيا، وكذا لمنع سوريا من استخراج واستغلال ثرواتها الضخمة من الغاز الطبيعى والبترول. سوريا حباها الله بنعمة مخزون ضخم من البترول والغاز الطبيعى، فلن يسمح لسوريا أن تكون دولة ثرية وهى عدو لإسرائيل، فهذا ضد المصالح الاسرائيلية وبعض الدول التى تدور فى فلك الصهيونية، وكذا لن يسمح لإيران أن تصبح بلدا ثريا. فثراء سوريا وإيران ضد مصلحة إسرائيل، وكذا يصب فى مصلحة حركة حماس فى غزة وحزب الله فى لبنان، وهذا ما ترفضه إسرائيل.

الآن يتضح لنا من قام بحرق سوريا بالغاز الطبيعى، وكل وله مصالحه الخاصة، ولتحترق سوريا وشعبها ولتذهب إلى الجحيم.

أشكركم، وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

 

اترك رد