مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

سماح بني داود تكتب عن رواية “الوثن” للأديب مصطفى بوغازي

23

ثنائية الفن والسياسة في رواية “الوثن”

بقلم/ سماح بني داود

قد يهمك ايضاً:

لاتدنو من مواجعنا

سماح داود

من العنوان يحضر بذهن القارىء زمن غابر من عبادة الأوثان فيه كثر الجهل واستبيح الظلم وانتشر الفساد، لعل في الزمنين قاسم مشترك من العبودية والإيمان بما لا وجود له.
استهلت رواية الوثن للأديب مصطفى بوغازي بفعل دال على الحركة والترجل والمشي ” ترجلت” لعل في ذلك إشارة إلى الحراك الذي شهده المشهد الاجتماعي الجزائري في الفترة الأخيرة تأثرا بواقع سياسي سئمت تفاصيله المفعمة بالظلم والاستبداد و الاضطهاد الذي عاش في ظله شعب بلد بحجم قارة لعدة سنوات. ومن هذا المنطلق نكتشف ومند البداية تعمد الكاتب في تصوير واقع مؤلم تحكمه الأصنام بما فيها من قسوة وحدة و لا مبالاة بمعانات الشعب و ظروفه الصحية والاجتماعية وحتى الثقافية، مع منح القارىء أملا جديدا يتجدد مع ترجل البطل بخطوات ثابتة نحو تحقيق حريته و انعتاق بلده.
القارىء لرواية الوثن سيلاحظ انقسام معجمه اللفظي الى ثلاثة أقسام حسب المعنى وهي؛
*عبارات دالة على السياسة اقترنت بالموت والفساد:
“الرئيس، الجراح، مذابح الأيام، عزاء، شروخا، عتبة الهلاك، أغصان يابسة، حجارة متناثرة، نسيج العنكبوت، الرئيس، نوبات السعال، الوزير، العصابات، الموض، بوتفليقة، شلل نصفي، الحزن، ميهوبي، التيه، لم يعد لها طعم في الحياة، ارحل، السقوط، الدستوري، مشهد الدماء، محاكمة الأرواح، عويل، صراخ، سلاح، الكادحين والمسحوقين في الأرض، القاتل، مركز الشرطة، تهمة، الرشاوى، قضية تشهير، السلطة، المناصب، رشيد راجعي، الفساد، النفوذ في بورصة الانحطاط السياسي، عهر السياسة، حثالة أجناس الأرض، موتكم اهون لكم، الفناء، الطاعون، أجساد نحيفة، ذل الجياع. ”
*عبارات اقترنت بالفن والثقافة تحت ظلال ذل السياسيين:
” تمثال الرئيس، صحيفة الأوراس، لوحة تشي جيفارا، أنحت الصخر، تمارس فعل الوعي، لوحة لمرأة سمراء ،انهم ينظرون إليكم معشر المثقفين والفنانين على أنكم مجرد قطيع من الذين لم يتورعوا في تلميع صورهم. ”
*تواريخ اقترنت بمواعيد سياسية للدولة مع أرقام ونسب ترسم المشهد الديمقراطي الجزائري:
15 أفريل 1999والذي كان تاريخا لبداية الخديعة الكبرى كما عبر عليها الكاتب، يوم الإنتخابات الرئاسية.
53%
73.79%
16 فيفري 2019
جانفي 2017
22فيفري 2019
02 أفريل 2019
تشابكت هذه العبارات والأرقام مقترنة بأسماء شخصيات واقعية كرشيد راجعي و الوزير السابق للثقافة ميهوبي، الرئيس بوتفليقة،و المجاهد “محمد حناط” مع أمكنة حقيقية واقعية ك “خربة الديوان” الواقعة ببلدية بلاعة من ولاية سطيف الجزائرية، مقهى “الصوابر” ليغوص بنا الكاتب في تفاصيل واقع حقيقي بتارخه وشخصياته وأمكنته فيه محاكاة لما عاشه الشعب من ظلم الساسة واستغلال ومحسوبية، ليستحضر شخصية جده عمار النحات الذي يمتلك من القوة ما يلين الصخر فيحوله الى كؤوس و مهاريس ولعل في ذلك إشارة إلى ما يتمتع به الرجل الجزائري من صبر و تحدي، من هنا تولد شخصية صماء من الحجارة هي تمثال الرئيس الذي نحت بطلب من رجل دولة يهديه لرئيس يتشابه معه في انعدام الحركة و موت يجهله الشعب، ومن هنا يعبر بصرخة شرسة في وجه شعب نال منه الذل :” بوتفليقة مات، ومن مازال يريد المزيد من الذل فإن أخاه مازال حيا سيذيقكم منه سنوات أخرى”
يصور لنا واقعا جريحا لوطن ينزف ظلما بتشابك الإرهاب داخله إذ يقتل “خليل” على يد إرهابيين بعنف ويذبح على مرأى من عيني الجدة،لتصبح حادثة اختطاف الصحفي تصويرا واضحا لواقع الاعلام المظطهد من قبل سلطة الفساد ليكون عجينة تخبز على طريقة السياسين بما يخدم مصالحهم بعيدا عن مصلحة الشعب وحقه في معرفة الحقائق.
كما أشار الكاتب إلى تهميش الفن واستغلال الفنانين مع التحكم الكامل في مواضيع منتوجاتهم الفنية حسب ما يخدم السلطة مع تفشي الرشاوى والمحسوبية إذ تغيب قيمة العمل الفني أمام اعمال لاقارب رجال الدولة فتتحول الى سلع تبتاع وتشترى خدمة لهم.

رواية الوثن لحن جديد يعزف أغنية واقع جزائري يعيش أياما جريحة تتدرج مطالبة بالشفاء و الانعتاق،
رواية عنونت بالوثن و استهلت بالحركة الدائبة لتنتهي بسقوط الصنم ونهوض الوطن الذي لن يموت بعد أن فهم الشعب كيف يبنيه وكيف يرسمه على طريقته و بأسس وقوانين عادلة.
سيكون الوطن بخير مادام القلم قد تحرر.

اترك رد