مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

رحلة التكوين والرضا عن الذات

2

كتب د.أحمد عيسى :

أعزائى القراء أعود إليكم من جديد فى مقال عن موضوع بات طرق بابه من الأهمية بمكان حتى يستطيع كل منا إجتياز الفترات الصعبة والأوقات العصيبة التى نمر بها بدون أية خسائر أو بأقل خسائر ممكنة إن شاء الله .

لا شك أن الإنسان القادر على فهم نفسه هو أكثر الناس قدرة على فهم ما يجرى حوله بل التعامل بكفاءة وبشكل صائب مع مستجدات القدر .

فى الأسطر التالية سأقوم بصحبتكم فى رحلة لمعرفة وفهم الإنسان بشكل غير مسبوق والذى متى أستوعبناه فسوف يساعدنا على إجتياز كافة الصعاب التى تواجهنا فى حياتنا بأقل خسائر ممكنة .

بعد دراسة مستفيضة توصلت إلى أن الإنسان مزيج من الجسد والروح والنفس وهذا هو الترتيب الوجودى للمزيج الذى يأتى به كل واحد منا فى هذه الحياة الدنيا .

تبدأ الرحلة بتكوين أعضاء البدن ثم تنفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر وبعدها يكتمل نضج الإنسان بعد الولادة وإكتمال القدرة العقلية بما يسمى بتسوية النفس (ونفس وما سواها ،فألهمها فجورها وتقواها )  .

وحتى نستطيع أن نجتاز المواقف الصعبة التى غالبا ما تكون مصبوغة بالحيرة والقلق والتردد ، علينا أن نفهم كنه هذا المزيج الفريد .

أولا البدن ، هوذلك البنيان الظاهر والذى يتأرجح بين قمة وقاع ، القمة هى الصحة والسلامة والعافية والقوة ، والقاع تجد فيه المرض والسقم والضعف والهوان والعلة .

والإنسان مطالب من قبل خالقه وموجده بالحفاظ على جسده من العلل والأسقام ، ولا يتم ذلك إلا بالحرص على ما ينفعه ويحصل الكمال الجسدى بوصول الشخص لدرجة الرضا عن جسده ، وهذا يتطلب رضا الهيئة ورضا الصحة ، وحتى يصل الإنسان عن رضا الهيئة ، عليه أن ينشئ على أنه لا إختيار له فى شكله وأن هذا الشكل الخارجى من لون وطول وإكتمال ، إنما هو لحكمة لا يعلمها إلا الخالق .

ويتبقى بعد ذلك الرضا المتولد عن التمتع بالصحة ، وهذا للإنسان دخل كبير فيه ، وهو بالحفاظ على نفسه من الأمراض وإتباع نظام كشف دورى ، والتداوى وأخذ العلاج فى حال وجود أى مرض ، وبذلك يكون الإنسان قد فعل كل ما فى يديه من أسباب ، وما بعد ذلك لا يلام فيه وبهذا يتولد الرضا عن الجسد أو بمعنى أدق الرضا عن الذات فيما يخص الجسد والهيكل البنائى للإنسان ، ولن يكون هناك أى شعور بالذنب أو جلد للذات حيال وقوع أى مرض أو ولادة الشخص لا قدر الله بشكل غير سوى ومكتمل البنية ، لأنه بفهم وإستيعاب ما سبق سيصل الشخص لمرحلة التقبل للذات فيما يخص البدن ، أما إذا قصر الإنسان فيما يخص التداوى والعلاج وأتباع الأنظمة الصحية فى الغذاء والرياضة البدنية ، فإن جسده سيصاب بالعلل والأسقام وهو ما سيترتب عليه شعور الإنسان بالتقصير تجاه جسده ، ومن ثم جلد الذات وعدم الرضا عنها لشعور داخلى بأنه كان بإمكانه أن يكون أفضل مما هو عليه الأن .

والان جاء دور الروح ، وهى ذلك الشئ الذى عجز العالم بأسره عن تحديد مكانه بالضبط بالرغم من وجود أثاره ، ويكفينا فى هذا المجال قول الحق تعالى (ويسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربى ،وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .

ولكن دعونا نقترب مما يفيدنا فى شأن الروح حتى نستطيع التفرقة بينها وبين النفس بشكل دقيق واضح .

الروح يأمر الله ملك بنفخها فى الإنسان بعد إكتمال أربعة أشهر حمل ، وحتى نصل لدرجة الرضا عن الذات فيما يخص الروح ، عليك أن تعرف أن الروح تتأرجح بين الإيمان والكفر أو الإعتراف والنكران ، وليس الإيمان والكفر هنا بمعنى الشرائع ، ولكن الإيمان والكفر من جهة ، الإيمان بوجود الله الخالق لهذا الكون ، أو إنكار ذلك وجحوده ، وهذا الإثبات لوجود الله ، يعترف به ويثبته أصحاب الشرائع السماوية الثلاثة بكتبها التوارة والإنجيل والقرءان ، ولهذا تجد أن هناك تقارب بينهم وتفاهم بالمقارنة لهم مع غيرهم ممن ينكر وجود الله .

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب: أحلام ضائعة

وتأرجح الروح بين إثبات وجود الله ونفيه يعد تأرجحا بين النور والظلمة ، والنور هو أن يكون الشخص معترفا بإله لهذا الكون وخالقه وهى تعتبر القمة وبها يكون الإتزان الروحى ، إذ أن الإنسان بدون هذا الإعتراف يعيش تعاسة لا يشعر بها غير من جرب هذا الشعور ، وهل هناك أتعس من إنسان يظن أنه جاء للحياة فترة ثم يرحل ويصبح نسا منسيا ، دون وجود هدف يسعى إليه أو غاية يعيش من أجلها ويترتب عليها سعادة أبدية ،أما القاع فى هذا الجانب فهو قاع مظلم إذا أنه يعد من أصعب الأشياء على الإنسان أن يهوى إلى قاع الروح بإنكار وجود خالقه وهو فى هذه الحالة يصاب بإعتلال يصعب معه نجاح أى إتزان أو رضا عن الذات سواء بدنى أو نفسى .

وينتهى بنا المطاف عند النفس أو إن شئت فقل الضلع الثالث والأخير فى مثلث تكوين الإنسان ، وتبدأ النفس فى التشكل بمجرد تمييز الإنسان للأشياء ، والنفس تتأرجح بين الصواب والخطأ ، أى هى معيار الصواب والخطأ فى الإنسان ، وهى تعبر عن مبادئ الإنسان فى الحياة وصوت الضمير داخله وتكون القمة فيها بوصول الإنسان لحالة يتطابق فيها ما يؤمن به من مبادئ وبما يطبقه فى مواقف الحياة اليومية ، أى أن الإنسان يصل لقمة الإتزان النفسى ، عندما لا يخالف ما يقتنع به أنه صواب أيا كانت المغريات أو العقبات ، والقاع فى الإتزان النفسى يحدث عندما تتسع الفجوة بين ما يؤمن به الإنسان من مبادئ وبين ما يطبقه من أعمال ، وبزيادة هذه الفجوة يزداد إعتلال النفس البشرية ، وتصل النفس لقمة نضجها ببلوغ الإنسان لسن الرشد والتمييز ، لذلك فإنه بعد بلوغ سن الرشد يصبح الإنسان مكلفا ومحاسبا عن كل تصرفاته وأفعاله ، وهى الأمور التى لم يكن يحاسب عليها من قبل .

نخلص مما سبق أن الروح هى تعتبر أقوى جزء فى تكوين الإنسان والتى إذا كانت فى قمتها فإنها تشع بضوئها على البدن والنفس .

نعم تشع بضوئها على البدن فيبرأ من أسقامه حتى تلك التى لم يبرأ منها يتعايش معها بتقبل لها كأنها غير موجودة فى الأساس .

وتشع أيضا الروح على النفس فتكسوها بنور لطيف يجعل الطريق واضحا للنفس بين الصواب والخطأ ، فيعيش الإنسان راضيا عن نفسه مرتاح الضمير .

أما إذا أظلمت الروح وكانت فى القاع فإن تلك الظلمة تغشى البدن فيصبح عاريا من المناعة أمام أتفه الأمراض والأسقام ، حتى إن أبسط علة صحية تفتك به وتفعل به الأفاعيل .

وكذلك تغشى ظلمة الروح وتغطى النفس ، فتصبح النفس متخبطة غير قادرة على التمييز بين الصواب  والخطأ ، حتى إنها لو فعلت صوابا ، تفعله من باب الإضطرار وليس من باب الإقتناع ، وهنا تكون هاوية النفس وهاوية الإنسان .

والإنسان مطالب من قبل خالقه بتزكية نفسه بعد إكتمال نضجها وتسويتها كما قال تعالى (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ،قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) صدق الله العظيم .

والإنسان مطالب بتزكيتها وذلك  بتعلم الصواب والمداومة عليه ، ومعرفة الخطأ وتجنبه ما أستطاع سبيلا ، وذلك حتى تتكون داحل الإنسان  البوصلة المحركة له وقاعدة الإختيار السليم فى كل أموره .

أما الذى يترك الأمر لنفسه والحبل على الغارب ، فإنه غالبا ما يصل لقاع الإعتلال سريعا ، وعندها يهوى صريع علل ثلاثة ستصيبه لا محالة ، علة النفس وعلة الروح وعلة البدن وحينها لا يكون هناك ذرة رضا للإنسان عن ذاته ويكون موضوع هلاكه مسألة وقت لا غير .

أعزائى القراء فى الختام ومما سبق يتضح لنا جليا ضرورة حرص الإنسان على الوصول لقمة البدن والروح والنفس حتى يستطيع إجتياز هذه الفترة التى يمر بها سكان العالم من إنتشار لفيروس كورونا بسلام ودون أية خسائر تذكر وهذا لن يتحقق ما لم يكن الإنسان فى أعلى درجات الرضا عن الذات والذى بدوره يأتى من الرضا عن الذات فيما يخص البدن ، والرضا عن الذات فيما يخص الروح ، والرضا عن الذات فيما يخص النفس

 

وإلى اللقاء فى مقال جديد إن شاء الله

اترك رد