بقلم – نور عبد الرحمن:
الحب الصامت .. يعيش اطول ..
لأنه يقبض على مشاعر الود البريء بقبضة من حديد
ها هو احمد الطالب المتفوق سنة ثانية آداب ..ينقذ سعاد بعد ان حدث تفجير ارهابي خارج الاسوار الامامية للجامعة …يقل سعاد الى اقرب مشفى …ويتبرع لها بالدم ..كما فعل اقرانه مع جميع الجرحى ..
انها قصة وشمت بالدم ..
فكيف ستكتب سعاد نهايتها مع احمد الابن الوحيد لوالديه ..؟
هو المتفوق .. الرسام والنحات …المرح ..المرح ؟
وهل الحب الا ابتسامة يمنحها قلب لقلب ..وضحكة من ضحكات العمر؟
كان حبا صامتا حتى جاء يوم التخرج ، حشود كبيرة من الطلبة اقاموا حفلة تنكرية ارتدى الذكور فيها ملابس فضفاضة تكاد تضيع ملامحهم واشكالهم سعاد تقف بين الحشود طمس الحزن عيناها تبحث عن احمد بنظرات حائرة همست الى منى صديقة عمرها الواقفة بجانبها .. منى الم تر احمد كانت منى قد ذهبت لشراء قطع الكاتو والعصائر دون ان تنتبه لشدة شرود ذهنها فقفز امامها احد الطلبة المتنكرين يحمل بيده رشاش ماء ذو الالوان القوس قزحية قائلا :
هل تبحثين عن احمد يا سعاد احمد الان يقف امام من تورط في حبها وسيذهب مساءا لخطبتها ورفع حينها احمد قناع المهرج الضاحك من وجهه
احمر وجه سعاد خجلا وهربت وراء حشود الطلبة تهدّئ من ارتباكها حتى جاء المساء وفعلا حضر احمد واهله خاطبا حدد فيه موعد لبس الخواتم مع ابيها الدكتور سنان استاذ الادب الانكليزي
كان القارب الصغير الورقي الذي صنعه احمد وهو يجلس مع سعاد على شاطئ نهر دجلة يتناولان حبات البوشار … سار ببطء ثم ارتطم بحجر ولم يكمل سيره فبدا القلق على وجه سعاد فأنشد احمد :
هناك …
حيث لا شمس تضيء
ولا قمر
لا تحزني حبيبتي
واذكريني عند الغسق
لو جاء الفراق
لا تتركيني في منفاي
وحيدا
وإن عزّ اللقاء ..
في يوم الخطبة اتصل احمد بالدكتور سنان وابلغه عدم استمراره في الخطبة وقدم اعتذاره وانه يتمنى السعادة لسعاد مع غيره واختفى اغلق هاتفه وكل السبل التي تصل بسعاد اليه.. صدمت سعاد واعتزلت الناس واقفلت الباب على عزلتها حتى دخل الدكتور سنان قائلا :
هل لي ان افرح بابنتي الوحيدة لقد جاءك خاطبا ابن زميل لي في الجامعة ومنى قلبي ورجائي ان توافقي يا ابنتي حتى اطمئن عليك قبل رحيلي وافقت سعاد ولبست خاتم الخطبة وكانت دعت معظم صديقاتها وفي حركة لا ارادية التفتت الى منى وسألتها الم تسمعي اخبار عن احمد ، انتبهت وهي تقول فقط من باب الفضول
ردت سهى:
من باب الفضول ام من باب الحب يا سعاد؟
ردت سعاد ربما نبرأ من مشاعرنا لكن استحالة نبرأ من جراحنا ..
استرسلت سهى :فلتبرأ اليوم جراحك يجب ان تعلمي ان احمد لم يتخلى عنك الا بعد ان علم انه مصاب بالسرطان لم يرغب ان يربط مصيرك به خصوصا بعد ان تأكد من خلال تكرار الفحوصات وهو الآن في مرحلته الاخيرة الحرجة من المرض صعقت سعاد وكأنما رصاصة اصابتها في مقتل قالت سهى لقد ذهبنا انا وثلة من الاصدقاء لزيارته في المشفى كان الطبيب يؤكد لنا على العامل النفسي ودوره في تخفيف الآلام .. فكل جلسة للعلاج يرافقها يأس واحباط فتذهب ادراج الريح وهو بحاجة الى عناية مركزة حتى بات اي ارتفاع في درجات الحرارة يؤدي به الى الموت، ذهبت سعاد بعد ان قررت تكريس وقتها لرعايته والاهتمام به اعطت رقم هاتفها للمرضة بعد ان طلبت منها ان تهاتفها ان استوجب الامر لقد علم الدكتور سنان وخطيبها بترددها الى المشفى ومتابعة حالة احمد فأستشاط الخطيب غضبا وشكا سعاد لأبيها دخل الدكتور سنان مناديا سعاد يا سعاد …اريد محادثتك يا ابنتي …ادرك تماما ما كان بينك واحمد …واعلم ان احمد تغير شكله .. وفقد شعره وبدا شاحبا فاقدا لوسامته فضلا عن وزنه …
نعم يا ابي ..السرطان اخذ مأخذه منه ..فهو وحش يا ابتي يقتل ضحاياه بلا هوادة ولا رحمة ولكن …،
اكملي يا سعاد ..
مكانته عندي اكبر من السرطان فهل تنظر لمشاعري جرما احاسب عليه ..او ذنبا استحق ان اعاقب عليه
سيتعافى …سيتعافى الكثير من مرضى السرطان تعافوا ..وعادوا يمارسون الحياة بشكل طبيعي .
.وهل ستقضين حياتك مع انتكاسات دائمة ..السرطان لا شفاء منه ..والتقاليد والاعراف ..انت اليوم خطيبة لرجل يا سعاد …
استرسلت سعاد :
ان اليأس في ديننا كفر ..فهل تريدني ان القي نظرة على وجعه وامضي.. وضعه يتعب قلبي
كيف اكون اليوم جاحدة لما كان بيننا من عهود ومواثيق .وهي تتمتم …المشاعر الحقيقة تزور الانسان مرة واحدة في العمر وما عداها مراهقة مشاعر .
رد الدكتور …يستطيع القلب ان يتخطى احرج المواقف ان اصغى للعقل …
يا ابنتي خطيبك حسن يشعر بالغيرة منه ..
انت تنظر الي كامرأة شرقية يجب ان تستند على رجل ولكن ماذا لو خرجت من بوتقة الأنوثة الى فضاء الأنسانية الواسع الرحب ..
*(هناك رجل اليوم في حياتك شئت ام ابيت ..انت تجتازين الخط الاحمر من الصواب يا سعاد) ولن اسمح لك بتاتا
ابي ..((.احمد بحاجة لي اكثر من حسن خطيبي …بإمكانه الزواج بامرأة اخرى …اين المشكلة ما دام ينظر لحواء من خلال ثقب ابرة ؟…هو يراها لحم ودم ..وكل ما بني على لحم ودم مصيره الذبول والتآكل هو يرى الزواج غرف مغلقة …ووجبة غداء ان تأخرت في اعدادها ..يجب علي ان اجهز حقائبي الى بيت ابي ..
ان كنت غيثا …او ليس حرام ان احرم ارض عطشى من المطر ؟…انه جندي مهزوم على رصيف الاهمال …
والمحتمع يا سعاد والناس …
…ردت واجمة :
ان احمد.يمووت ..ويموت …ويموت
كانت تكاليف العلاج باهظة الثمن ..وعائلته استنفذت كل مدخراتها …مما اضطرت سعاد الى بيع بعض مصوغاتها الذهبية لتفي ببعض مستلزمات العلاج ..انها تربده ان بعيش …تريد للإنسان الذي فيه …للفنان ان يحيا
جاء يوم حضر حسن واهله لمناقشة قرار الزواج في بيت سعاد .فاذا بالممرضة تتصل بسعاد وتخبرها ان حالته خطرة أخذ يتقيأ دما وهو يريد رؤيتها ….غادرت سعاد البيت غير آبهة بنداء ابيها ولت تركض في الشارع بلا وعي ..تريد ان تقل تاكسي ..ولكن حتى صوتها خانها ..والدموع تستدر الدموع ..اخيرا قالت مستشفى الاورام لو سمحت دخت المشفى وهي تركض ارتطمت بعامل النظافة واتلفت اغراضه ..دخلت بلا وعي تردد ..ستنجو ..بعد كل جلسة علاج تنتكس ثم تتعافى ..لا بأس ….يوم اثنان ثلاثة وستنهض …لا زال في اناملك الكثير من الابداع المدفون ستخرج ..وسيفوز معرضك ….الاطباء المشرفون قلقين كانوا قد التفوا حول احمد .قائلين قنينة دم .بسرعة …ركضت سعاد وهي ترتجف الى مصرف الدم بغية التبرع ..وحين اكملت عادت ..
ابواه قد حفر الحزن والدمع انفاقا تستفز الوجدان والعطف
كان احمد قد فارق الحياة ..
صرخت سعاد صرخة ابكت جميع من حولها من ممرضات وزوار الردهة
بينما كان الدكتور يطالع ابنته مع حسن خطيبها من بعيد جزعا حزينا ..لا يعرف ما يفعل ..
لم تتزوج سعاد ..فهي لم تفارق احمد ..لقد كانت تلتقيه ..كل يوم ..فلقد تطوعت في ايام العطل ان تعتني بمرضى الاورام .من الصغار والكبار…
اليوم وبعد مرور عدة اعوام سعاد تضع اكليل الورد على قبر احمد ..وتتمتم اغنية المساء :
هناك
حيث لا شمس تضيء
ولا قمر
اذكريني حبيبتي .
حينما يأتي الغسق
لو جاء الفراق …
مودعا
لا تتركيني
في منفاي
وحيدا
وان عز اللقاء