انطلقت فعاليات المنتدى الفكري لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في جلسته الرابعة، تحت عنوان: “التمكين الاقتصادي للمرأة المصرية”، بحضور عدد من النائبات وسيدات الأعمال والخبيرات المصرفيات وأساتذة الجامعات، بجانب ممثلي المجلس القومي للمرأة ووزارة القوى العاملة.
وفي مستهل الجلسة، رحب اللواء محمد عبد المقصود، رئيس قطاع إدارة الأزمات والكوارث بـ “مركز المعلومات” بمجلس الوزراء، بالحضور، مشيرًا إلى حرص المركز على التواصل المستمر مع كافة أصحاب الخبرات والأفكار، بما يعزز عملية صنع القرار بالمبادرات والرؤى التي من شأنها النهوض بمختلف الأوضاع، مضيفًا أن قضية “التمكين الاقتصادي للمرأة” أصبحت تحتل أولوية كبرى بالدولة المصرية حاليًا، لما لها من دور في زيادة معدلات التنمية بمختلف أوجهها الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
ومن جانبها، ألقت الدكتورة هبة عبد المنعم، رئيس محور شئون المكتب الفني لرئاسة مركز المعلومات، عرضًا تقديميًا حول محاور التمكين الاقتصادي للمرأة، بما يشمل استعراض أهمية تمكين المرأة لدفع النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومحددات مشاركة الإناث في القوى العاملة، والوضع الراهن لمشاركة المرأة في سوق العمل، مضيفة أن آخر الإحصاءات تشير إلى أن الدول التي ينخفض بها معدل التحاق الإناث بالمدارس مقارنة بالذكور إلى أقل من 0.75% تشهد خسارة في الدخل تقدر بنحو 25% مقارنة بالدول التي لديها مستويات أعلى من الالتحاق بالتعليم>
وأكدت أن التقديرات الدولية تشير إلى أن تبني السياسات اللازمة باتجاه رأب الفجوة النوعية في سوق العمل من شأنه زيادة الناتج الإجمالي العالمي بما يتراوح من 12 إلى 28 تريليون دولار في عام 2025، بما يشير إلى أهمية قضايا التمكين الاقتصادي للمرأة بالنسبة للنهوض بالأداء التنموي.
كما أشارت إلى أهمية السياسات اللازمة للمزيد من التمكين الاقتصادي للمرأة المصرية على عدد من الأصعدة بما يشمل البيئة التشريعية والتنظيمية وسياسات التعليم وسوق العمل وريادة الأعمال والنفاذ للتمويل في ضوء التقديرات الدولية التي تفيد بأن زيادة مستويات مشاركة المرأة المصرية في سوق العمل إلى المستويات المماثلة للذكور من شأنه تحقيق الاقتصاد المصري لمكاسب اقتصادية تقدر نحو 34% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي بداية كلمات المتحدثين بالجلسة، تناولت ماري لويس بشارة، رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة، أهمية دعم قطاع التعليم الفني الإنتاجي لدوره الكبير في دعم قضايا التمكين الاقتصادي المرأة، بتوفير التعليم والتدريب الجيد لسد النقص في أعداد الأيدي العاملة الماهرة، مؤكدة أن ذلك النهج اعتمدت عليه ألمانيا في بداية مسيرتها الاقتصادية كأكبر الدول الصناعية بأوروبا، جنبًا إلى جنب مع دعم السياسات التسويقية والتصديرية لتعظيم القيمة المضافة من عملية الإنتاج والتدريب للقوى العاملة.
ولافت إلى أن مصر تملك عددًا من النماذج الإيجابية التي يُمكن البناء عليها في هذا الإطار، مثل تجربة تعليم وتدريب الفتيات والسيدات بمدينة “الأسمرات”، بجانب تجارب “الرائدات الريفيات” تحت إشراف المجلس القومي للمرأة، والتي ساعدت الكثير من السيدات بالمناطق الأكثر احتياجًا على بدء أنشطة إنتاجية ذات قيمة مضافة بعد تدريبهن وفق أعلى المستويات، مطالبة بزيادة مساهمة القطاع الخاص في مجالات التدريب الفني لتخريج قوى عاملة مؤهلة لخدمة أهداف الصناعة المصرية، مع منح المزيد من التسهيلات الائتمانية لرائدات الأعمال المؤسسات لمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، خاصة بالريف.
وفي السياق نفسه، أكدت النائبة غادة علي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، على أن مسيرة تمكين المرأة المصرية شهدت العديد من النجاحات خلال الفترة الماضية، بدءًا من إطلاق 2017 عامًا للمرأة تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما ساعد على ارتفاع نسبة تمثيل المرأة بالبرلمان المصري إلى ٢٨٪ وإلى نحو ١٤٪ بمجلس الشيوخ، و25% في المجالس المحلية القادمة.
كما وصلت إلى أعلى نسبة تمثيل بمجلس الوزراء بنحو ٢٥٪، وارتفع عدد نائبات الوزراء والوزيرات إلى ٢٧٪، ونائبات المحافظين إلى ٣١٪. كما تم ولأول مرة في التاريخ تعيين سيدات بالنيابة العامة ومجلس الدولة وتولت المرأة كذلك المواقع القيادية كمستشارة للأمن القومي لرئيس الجمهورية ومنصب محافظ ورئاسة المجلس القومي لحقوق الإنسان.
إضافة إلى صدور العديد من التشريعات لصالح المرأة في قضايا المواريث والنفقة ومكافحة الختان والتحرش، ومؤكدة أن قانون الوصاية على المال سيكون على رأس التشريعات المنتظرة لدعم حقوق المرأة، وذلك في إطار العمل على تنقيح التشريعات من التمييز بين الجنسين، ومطالبة بتدشين وحدة متخصصة لمتابعة المؤشرات الدولية الاقتصادية الخاصة بالمرأة لصياغة الرؤى والسياسات العامة، وتخصيص حصة للمرأة في المبادرات الاقتصادية المختلفة ومن بينها مبادرة زيادة مستويات الصادرات إلى مستوى 100 مليار دولار، وتقييم مدى فعالية مخرجات وحدات تكافؤ الفرص بالوزارات.
من جهة أخرى، عرض المهندس عمرو سليمان، رئيس اللجنة الاقتصادية والبيئية بالمجلس القومي للمرأة، عددًا من النماذج الإيجابية الناجحة لتمكين المرأة المصرية على أرض الواقع، بمشاركة البنك المركزي المصري وعدد من البنوك المصرية، وبواسطة عدد من الحلول القائمة على التحول الرقمي، مثل: تطبيق “تحويشة” الإلكتروني، لسيدات وفتيات القرى المختلفة في جميع محافظات مصر، وذلك من أجل مساعدتهن على الادخار والاستفادة من التيسيرات البنكية المختلفة.
كما أكدت إنجي اليماني، مدير برنامج الشمول المالي بالمجلس القومي للمرأة، أن برنامج “تحويشة” يتيح للسيدات ادخار مبالغ معينة أسبوعيًا عبر حساب بنكي مخصص لذلك، بما يعود عليهن بأرباح وموارد مالية معينة بعد فترة محددة، وبما يسمح بزيادة تمويل الأنشطة الإنتاجية الصغيرة للأسر، مشيرة إلى الجهود الجارية للتدريب على أنشطة الإنتاج بالريف، مثل: مجالات التعبئة والتغليف وتجفيف المواد الغذائية وإعادة التدوير والنقل.
وقالت رشا عبد الباسط، مدير عام الإدارة العامة للشؤون الإقليمية والدولية بوزارة القوى العاملة، وعضو وحدة المساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة بالوزارة، إن هناك العديد من القرارات الوزارية الصادرة مؤخرًا لصالح تعزيز عمل المرأة وتوفير بيئة عمل آمنة لها بكافة المجالات في إطار خطة متكاملة المحاور والأهداف، سواء على الصعيد التشريعي أو الرقابي أو التنفيذي أو التدريبي، مضيفة أن هناك جهود جارية أيضًا لتشجيع انضمام المرأة للتنظيمات النقابية بالتعاون مع أصحاب الأعمال بما يتيح زيادة أوجه الحماية والدعم، لافتة إلى عدد من التجارب الناجحة لتشجيع أنشطة ريادة الأعمال للسيدات.
وأضافت الدكتورة شيرين عبد الحي، مدير الإدارة العامة لشئون المرأة والطفل بوزارة القوى العاملة، أن هناك العديد من الإشكاليات التي تواجه عمل المرأة، تتعلق أغلبها بأوضاعها الحياتية اليومية، خاصة فيما يتعلق بضرورة تنظيم عمل دور حضانة الأطفال، بجانب ضعف البرامج الموجهة لبعض السيدات أو الفتيات لتحسين مستويات تعاملهن مع الأدوات التكنولوجية الجديدة، مضيفة أن نجاح برنامج “تحويشة” يشجع على ضرورة توسيع التجربة، وإطلاق منصة رقمية موحدة تجمع كافة الجهات الرسمية للدولة، داخل إطار تنفيذي موحد الأهداف لتمكين المرأة.
وفي السياق ذاته، أوضحت الدكتورة أماني فاخر، عميد كلية التجارة وإدارة الأعمال بجامعة حلوان سابقًا، أن تمكين المرأة اقتصاديًا يعني تمكينها سياسيًا واجتماعيًا، مضيفة أن التمكين الاقتصادي للمرأة المصرية أصبح ضرورةً ملحة لتحسين تصنيف مصر عالميًا في هذا المجال، بما يتطلب بذل مزيد من الجهد لوضع سياسات تكفل بيئة مناسبة لزيادة مشاركة المرأة في قوة العمل، بالقطاعين الرسمي وغير الرسمي، بهدف الحفاظ على استمرار عمل المرأة ومشاركتها في الاقتصاد، مع إحياء تمكين المرأة اقتصاديًا كفكرة ثقافية مجتمعية، مطالبة باستمرار السياسات الداعمة للتمييز الإيجابي للمرأة، وتخصيص جزء من موازنة الدولة لدعم احتياجات تمكين المرأة.
ومن جانبها، ذكرت الدكتورة رشا رمضان، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه رغم صدور العديد من التعديلات التشريعية مؤخرًا لدعم أوضاع المرأة، فإن تغيير بعض الأعراف والتقاليد الموروثة نفسها أصبح من أهم متطلبات التمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة، موصية بضرورة ضخ المزيد من الاستثمارات في قطاع الرعاية الاجتماعية ومجالات تعليم وتدريب المرأة ودعم استخدامها للتكنولوجيا.
كما أكدت أهمية اعتماد السياسات الاجتماعية وسياسات إعادة التوزيع وتقييمها من منظور جندري (Gender mainstreaming)، وزيادة الاستثمار في تعليم الفتيات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) والمهارات الرقمية مما يتيح لهن الوصول لفرص اقتصادية في اطار الثورة الصناعية الرابعة، وأشارت إلى أن الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية و المادية والرعاية والتعليم في الطفولة المبكرة والنقل والتكنولوجيا يعتبر من العوامل الضرورية لزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل والتوفيق بين دورها الإنجابي والإنتاجي.
من جهتها، أكدت نور الزيني، رئيس قطاع الاتصال المؤسسي ببنك قناة السويس، أهمية دور المسؤولية المجتمعية للبنوك والشركات المصرية في دعم التمكين الاقتصادي للمرأة المصرية لاسيما فيما يتعلق بدعم قضايا الغارمات وتعليم الفتيات بالجامعات، وتوفير المشروعات الصغيرة والحرف اليدوية للسيدات الريفيات، وذلك من خلال التعاون مع عدد من الجمعيات الأهلية بالمجتمع المدني، لافتة إلى مدى إقبال السيدات المستهدفات ضمن تلك البرامج على التعلم والتدريب لتحسين أوضاعهن الاقتصادية.
يذكر أن أولى جلسات المنتدى الفكري لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، قد انطلقت في ديسمبر الماضي، كملتقى يجمع مختلف الخبراء والمتخصصين في جميع المجالات، لصياغة الرؤى والأفكار في القضايا والمجالات ذات الأولوية لمتخذ القرار، حيث تطرقت الجلسات الثلاث السابقة إلى “جهود تحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية في مصر.. ومزيج السياسات الأمثل”، و”بيئة الاستثمار بين الواقع والمأمول”، و”سُبل وآليات دعم الزراعة المستدامة في مصر بما يتماشى مع اشتراطات الصفقة الأوروبية الخضراء”.
التعليقات مغلقة.