مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الشرّ والخير فتنة.. مقال للكاتب الكبير عبد الرحمن بن الفلاح

0

الشر والخير.. فتنة!!

بقلم/ عبد الرحمن بن الفلاح

يقول تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) الأنبياء/35. يقرر الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية الجليلة أن الابتلاء ليس مقصورًا على الشر فقط من مرض، وفقد مال أو ولد، بل حتى في الخير يكون هناك ابتلاء، فيبلو سبحانه بعض الناس بالمرض، ويبلو بعضهم بالصحة، ويبلو أناسا بالغنى وبعضهم بالفقر، لأن الله تعالى عليم بعباده خبير بما يصلحهم، ألم يقل الحق سبحانه وتعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة/ 216.

لقد قدم إلينا القرآن الكريم مثالين لتأكيد هذه الحقيقة الإيمانية، هذا هو قارون وهو المثل الصارخ في الثراء ماذا فعل بماله هذا، وهو كما وصفه الله سبحانه: (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين (76) وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين (77)) القصص.

هل أحسن قارون كما أحسن الله تعالى إليه؟! وهل استخدم نعم الله تعالى في الإصلاح أم استخدمها في الإفساد، وقد علم أن الله تعالى لا يحب المفسدين الذين تعدى فسادهم إلى غيرهم؟.

قد يهمك ايضاً:

حكم قضاء الصوم عن المتوفى

ملتقى “رمضانيات نسائية” بالجامع الأزهر يبين…

لقد طغى قارون حين جاءته النعمة، وأفسد بدل أن يصلح، وبغى على قومه وطغى بعد أن استغنى بما عنده عما بيد الناس، فكان المال الذي أوتيه سببًا في تدميره، وقال تعالى عن المصير الذي آل إليه قارون: (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) القصص/ 81.

وأيضًا، فإن خبر صاحب الجنتين في سورة الكهف ليس عنا ببعيد الذي لم يستمع إلى نصح صاحبه الذي أخلص له في النصيحة، وحذره من سوء المآل كما قص علينا القرآن، قال تعالى: (واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا (32) كلتا الجنتين آتت أُكلها ولم تظلم منه شيئا وفجَّرنا خلالهما نهرا (33) وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا (34) ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (34) وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرًا منها منقلبا (36)» الكهف. 

هذا هو حاله بعد أن آتاه الله تعالى الجنتين، لم يحمد ربه سبحانه على ما أنعم الله تعالى عليه، ولم يحدث بنعمة ربه، بل طغى بها واستكبر، فكانت عاقبته كما قصها القرآن علينا في قوله سبحانه: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (37) لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا (38) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالاً وولدا (39) فعسى ربي أن يؤتين خيرًا من جنتك ويرسل عليها حسبانًا من السماء فتصبح صعيدًا زلقا (40) أو يصبح ماؤها غورًا فلن تستطيع له طلبا (41) وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا (42) ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا (43) هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابًا وخير عقبا (44)» الكهف.

لم يخطر على بال صاحب الجنتين أن ما آتاه الله تعالى من خير حيث تميز به على صاحبه الذي وكله الله تعالى إلى إيمانه سوف يكون مآله إلى ما آل إليه، ولقد قدم الحق سبحانه من خلال هذه الآيات الكريمات وسيلتين إيضاحيتين، الأولى هي: كيف طغى أحد الرجلين عندما جاءته النعمة ولم يشكر عليها واهبها، ولم يحدث بها في وجوه الخير والصلاح، وأما الرجل الآخر الذي آتاه الله تعالى نعمة الإيمان، وبرد اليقين، وكيف حدث الناس بهذه النعمة، فأبدى لصاحبه النصيحة، وحذره من سوء العاقبة، وهذان مثالان يتكرران في دنيا الناس، وعلى العاقل ان يتعظ بهما وألا يورد نفسه مورد الهلاك.

من هنا ندرك أن علينا ألا نفرح ولا ننتشي حين يقبل علينا الخير، وأنه لا بد أن نعرف مآله قبل أن نحكم عليه ما إذا كان خيرًا أو شرا، فإذا وفق الله تعالى صاحب النعمة إلى صرفها في وجوه الخير، فقد أفلح ونجح، أما إذا صرفها في وجوه الشر، واستعان بها على معصية الله تعالى، فإن سوء العاقبة هو ما ينتظره، وصدق الله العظيم: «ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير» (الشورى/ 27)، ولأنه سبحانه بعباده خبير بصير، وأنه سبحانه يعلم ما يصلحهم وما يفسدهم، فهو سبحانه يمنع ليعطي، ويعطي ليمنع، وعلى المؤمن الواثق بربه، المطيع لأمره ونهيه، عليه أن يرضى في حالتي العطاء والمنع، ويحتسب الأجر عند الله تعالى في السراء والضراء، ويقول بلسان الواثق: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، لأنه: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة/ 216

 

اترك رد