مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الشاعر عبد الحميد ضحى يكتب لمصر البلد الإخبارية عن مواقف أديب

2
مواقف أديب
بقلم الشاعر/ عبد الحميد ضحى
كنت شاركت قبل عدة سنوات في فيلم وثائقي للجزيرة عن الأستاذ سيد قطب، وعُرض منه حوالي خمسة وعشرين دقيقة لم أظهر فيها، وقيل: إنه سيُعرض على أجزاء، ولم تظهر بعد، وقد تحدَّثت حوالي ساعة كاملة عنه، كان مدار الحديث عن كتاب معالم في الطريق، وأنه نتاج الاضطهاد في السجون، فخالفت ذلك، وبدأت بذكر مشاركة الأستاذ سيد قطب في ثورة 1919، وقد كان صبيًّا، وعلاقته بالعقاد، والتحاقه بحزب الوفد مع أستاذه العقاد، ثم انفصاله عنه أواسط الثلاثينيات، ونبوغه في كلية دار العلوم، ودوره في حركة يوليو 52 وأن الضباط الأحرار كانوا يصرِّحون أنه أستاذهم وأنهم تعلموا الثورية على مقالاته الجريئة التي كان يهاجم فيها الملك، وأن الضباط الأحرار كانوا يجتمعون بمنزله في حلوان، لدرجة أنه كان المدنيَّ الوحيد في مجلس قيادة الثورة، وهذا الأمر يُتعب كل من يحاول أن يقلِّل من علاقة قطب بحركة يوليو، وتناولتُ بعض أشعاره الثورية، ودوره الثقافيَّ والأدبيَّ ومعاركه مع الرافعي وطه حسين ثم جفوته مع العقاد وسبب ذلك، وأنه كان يعتبر أكبر ناقد في أخصب فترة ثقافية مرت بها مصر، لدرجة أنه بمقال واحد جعل نجيب محفوظ الكاتب المغمور روائيًّا شهيرًا (حتى إن نجيب محفوظ كان يأبى أن يذكره أحدهم بسوء أمامه، مع اعترافه بفضله عليه)، وكذلك يحيى حقي، وذكرت إرسال توفيق الحكيم مسرحية أوديب إليه في أمريكا – على ما في ذلك من مشقة حينها – ليذكر له رأيه فيها أو يكتب عنها، فردَّ عليه برسالة نُشرت في مجلة الرسالة نصحه فيها بالكتابة عن مجتمعه وبيئته وترك الكتابة عن تاريخ روما والإغريق، وذكرتُ كذلك علاقته بطه حسين، وأن جماعة أبوللو كانت تذكره من روَّادها حينها افتخارًا، مع أنه لم يكن يذكر ذلك، وتناولت أن سبب ابتعاثه لأمريكا كان مدبَّرًا ليبتعد عن مصر حينها ومهاجمة الملك، فما علاقة أديب مثله بالابتعاث في أمور تخص التربية والتعليم؟! ومن أول ركوبه الباخرة حدثت له أكثر من محاولة إغواء جنسيٍّ من فتاة في الباخرة ثم من ممرضة في أمريكا ومحاولات أخرى، وكان أول ما جعله يفكِّر في الإخوان أن جلس معه ضباط من المخابرات الغربية في أمريكا حدَّثوه عن خطر الإخوان وأنه لا بد ككاتب كبير أن يحذِّر منهم، فكان يردُّ أن الخطر في الاحتلال، فكان ردُّهم أنه قريبًا سيزول الاحتلال فسيسيطر الإخوان على مصر، وذكرت أن سيد قطب ينفرد بأمور؛ منها: أنه يعتبر أول من سافر مبتعثًا إلى الغرب وعاد ناقمًا عليه وكتب عن ضياع الروح في الغرب كثيرًا بعد عودته، وكان كل من قبله يرجع مفتونًا بالغرب.
– أنه كان مثل جان جاك روسو للثورة الفرنسية وكان يستطيع أن يكمل في التنظير؛ ولكنه واجه عبدالناصر واستقال من مجلس قيادة الثورة وأنه التحق بالإخوان عندما بدأت محنتهم في الاعتقالات، وهذا يدل على شخصية فولاذية؛ فكيف بإنسان يلقي بنفسه في أتون الابتلاء بكل أريحية؟!
وسألوني عن نظرته للمرأة وعدم زواجه، فذكرت أنه أشبه أستاذه العقاد في عدم زواجه، إلا أن قطبًا أحب فتاة وارتبط بها بخطوبة وذكر تجربته في روايته الرائعة “أشواك”، وله قصائد غزلية كثيرة.
قد يهمك ايضاً:
وذكرت أنه نقم على النخبة كلها أنهم ركعوا لعبدالناصر، حتى العقاد الذي كان جسورًا أيام الملك وأيام عضويته معه بحزب الوفد، جَبُن عن كلمة الحق، ومثله طه حسين وبقية النخبة، ولم يجهر بمواجهة عبدالناصر إلا سيد قطب.
وتناولت تأثُّر أسرته من إخوته وأبنائهم وتعذيبهم وسجنهم وما أصاب عائلته من ضرر؛ ولم يَثنه ذلك عن صلابته الشديدة.
فاختلفت مع مضمون الفيلم من الفكرة المنتشرة أنه تأثر بالسجن؛ فهذا يحدث مع كثيرين، أما سيد قطب فكان يسعه أن يستمر ملء السمع والبصر؛ ولكنه ذهب إلى الابتلاء والسجون بقدميه، ولم يهب مواجهة عبدالناصر في وقت ركع فيه كل أرباب الثقافة في مصر من أساتذته وتلامذته.
أما كتاب معالم في الطريق، فلم ينتشر بهذه الصورة إلا بعد إعدامه – رحمه الله – وهو الذي دائما ما تحدَّث عن موته في سبيل كلماته؛ كقوله: “إن كلماتنا تظل عرائس من شموع، حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح و كتبت لها الحياة”.
أما الأفكار الجريئة في هذا الكتاب الصغير حجمًا الهائل تأثيرًا فكانت تدور حول نظرته لبعث الأمة من جديد، وهذا يحتاج لحديث آخر.
اترك رد