مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

اشكاليات الوعي القانوني للمواطن العربي

بقلم – الدكتور عادل عامر:

ان نشر الوعي والثقافة والعلم الشرعي بين المواطنين تطبيقاً لمبدأ الحكمة والموعظة الحسنة في تطبيق أحكام الشريعة وابتعاداً عن الفظاظة في التطبيق والإجبار التي تبعد الناس عن الشرعيين لو حاولوا فرض الدولة الإسلامية والأحكام الشرعية قسراً دون إقناع المواطنين باللجوء إليها لاقتناعهم بحاجتهم إليها .

إن الغاية المستهدفة من استصدار حكم قضائي هو التوصل إلى نفاذ منطوقه تبعا للصيغة التنفيذية المذيلة به، وعدم تحقيق هذه النتيجة يفقد الأحكام القضائية قدسيتها وينحدر بها إلى مصاف القرارات منعدمة المفعول، ما من شأنه أن ينعكس سلبا على ضبط العلاقات القانونية بين الأفراد، ويسهم في تعطيل استفادة المتقاضين من الحقوق المقررة لفائدتهم بواسطة القانون، والتي تعمل الأحكام القضائية على حمايتها. ومن تم فإن تفعيل الأثر القانوني والواقعي المقرر بموجب حكم قضائي يقتضي توظيف كل الوسائل القانونية الممكنة لتنفيذه، ومن جملتها تسخير القوة العمومية، ما لم يتعلق الأمر باعتبارات استثنائية من شأنها أن تبرر عدم التقيد بحجية الشيء المقضي به، والتي تعد قرينة قانونية قاطعة على أن الحكم هو عنوان الحقيقة.

إن ما يعطي الوعي القانوني  أهميته، هو كونها تعتبر أحد الروافد المهمة التي تقوي الشخصية الفردية وتجعل منها ذاتا قادرة على مواجهة الحياة. فالثقافة القانونية هي ثقافة شمولية، بحيث تمس كل جوانب الحياة، فكل مناحي الحياة أصبحت مؤطرة قانونا، ولم نعد نعيش في ظل الفوضى أو اللا قانون، حيث المجتمع المنظم يقوم على احترام القانون وسيادته، باعتباره المرجع الأساسي لحل كل الإشكالات التي تواجه  الفرد أو الجماعة في المجتمع المتحضر، ومن تم تميزت الثقافة القانونية بعموميتها، لأنها لا تستثني مجالا او أحدا في خطابها، شأنها في ذلك شأن القاعدة القانونية التي تخاطب الجميع..

وإذا كان الفرد قد يعذر لعدم اكتسابه وتحصين ذاته بشكل كاف، من الجهل بالمعلومات والثقافات في مختلف مجالات الحياة، بحيث يجد نفسه أمام نفسه، يلومها او يصفح عنها، أو يلتمس العذر لها. فإنه بالنسبة للجهل بالثقافة القانونية أو بالقاعدة القانونية على وجه الخصوص لا عذر له، لأن المشرع نص صراحة على أنه لا يعذر أحد بجهله للقانون.

وهنا تكمن المفارقة، بل وتدق المسألة، حيث المخاطب يمكن أن يتلقى في حياته ومساره التعليمي كل أنواع العلوم والثقافات المختلفة، ويعذر لعدم الإلمام بها أو لجهلها، بينما قد لا يتلقى أي تعليم أو تعلم في المجال القانوني، ولكنه لا يعذر بجهله له.

وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للمواطن العادي البسيط الذي لم يعذر بجهله للقانون، فماذا عن رجل الإدارة، المسؤول عن اتخاذ قرارات هامة داخل الإدارة او المؤسسة العمومية، والتي يكون من شأنها أن ترتب أثارا مادية أو معنوية على سير المؤسسة وسمعتها؟ تسعى المجتمعات المتحضرة إلى خلق وعي عام لدى أفرادها من خلال نشر الثقافات المتعلقة بالجوانب الصحية والبيئية والقانونية والأمنية وما شابه ذلك ذات الصلة بمنظومة المجتمع والدولة، حيث أن المجتمع الواعي قادر على التصدي لكل الهجمات التي تستهدف كينونته وأسسه التي نشأ عليها، ومن جزئيات الوعي العام (الوعي القانوني) الذي يحصن المجتمع تجاه خروقات أفراده لنواميسه الناشئة عن تجاربه التي مرَ بها.

قد يهمك ايضاً:

التربية على المواطنة الرقمية         

“أنت تستطيع”.. نصر أكتوبر وما يستدعيه من معان…

ومن هذا نرى أن الوعي القانوني إذا ما أريد له أن يتحقق وان ينتشر فمن الواجب على أفراد المجتمع أنفسهم تحقيق ذلك الأمر، لأن المؤسسات مهما بلغ بها الأمر من تملك الوسائل والإمكانيات لا تستطيع تحقيق الهدف ما لم يكن الفرد ساعياً إليه لتعلق ذلك الأمر بالذات الإنسانية والفكر الذي يحمله الفرد.

ومن السبل التي من الممكن أن نحصن بها مجتمعنا من الجريمة هو التوسع في طرح الثقافة القانونية من خلال البرامج الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، وقد لاحظنا تأثير الصفحات القانونية في رفع مستوى الوعي القانوني لدى المواطن، حيث دأبت صحفنا اليومية على تخصيص صفحات وزوايا قانونية،

وقد ساهم هذا الأمر في إقبال المواطنين المتزايد على قراءة المواضيع المطروحة فيها ومن ثم العودة إلى المتون القانونية أو المختصين في الجانب القانوني لمعرفة مراكزهم القانونية، لان جماهيرية تلك الصحف وأسلوب الطرح المتبع في عرض المواضيع القانونية، الذي يبتعد عن تعقيد الطرح الأكاديمي التخصصي ويقترب من عمومية المشكلة وتعلقها بالجانب الحياتي اليومي للمواطن، وهذا النجاح في مجال الإعلام المقروء يدعونا إلى مناشدة الدوائر المعنية للنهوض بمستوى التثقيف والإرشاد القانوني في مجال الإعلام المسموع والمرئي.

إيجاد مناهج تعليمية في بعض المراحل الدراسية تتعلق بالمعرفة القانونية وبشكل مبسط حتى يكون الطالب مؤهل لتقبل الالتزامات التي يمليها عليه القانون النافذ ويؤديها بشكل صحيح ومنسجم مع الشرعية القانونية، وكذلك يمارس حقوقه التي كفلها القانون بالشكل الذي لا يتقاطع مع حقوق الآخرين.

الوسيلة الأخرى تتمثل بمحو الأمية لأننا سنتمكن من الوصول إلى ما ننشد من تطور حضاري وتامين وعي قانوني لدى كافة أبناء المجتمع، وذلك لان الفرد الذي لا يقرأ ولا يكتب من الصعب عليه أن يفهم حقوقه والتزاماته المدونة في متون القوانين والقرارات والأنظمة إذ إن شواغل الحياة اليومية لا تمكنه من أن يستمع للآخرين تحت وازع الإنصات والإصغاء من أجل التعلم، لذا يتحتم على كل فرد أن يسعى جاهداً لتعليم نفسه ومحو أميته أولاً ومن ثم التحرك على أفراد مجتمعه

وعندها سنصل بأيسر السبل إلى هدفنا المتمثل ببث الوعي القانوني لدى عامة الناس، لأن الوعي القانوني يرتبط ارتباطا وثيقا بالهيئة الاجتماعية فإذا الفرد خرق القانون فإن عمله هذا يقترن بالاعتداء على حقوق الآخرين، ومن ذلك يتبين لنا أن التعليم ومحو الأمية هو السبيل الأوفر حظاً في مسعى الساعين إلى نشر الوعي القانوني، كما أن التعلم والتعليم من الواجبات التي فرضتها الشريعة الإسلامية السمحاء، التي احتوت على الدين الحنيف، الذي بدأت أولى بشائره بفعل الأمر (اقرأ) فجعل ذلك فرضاً على كل مسلم.. ومن ذلك كله نأمل أن تتضافر جهود المؤسسات والدوائر وجعله شعاراً لكل فرد وعائله وكذلك السعي الحثيث لاستقطاب التلاميذ الذين تركوا مقاعد الدراسة وتحفيزهم على العودة إلى صفوفهم الدراسية، وعند ذاك سوف نصل إلى تحقيق هدفنا بوجود وعي قانوني لدى كافة الأفراد وكذلك نضمن وجود مجتمع واعي ومدرك لحقوقه والتزاماته ومن ثم سنتمكن حينها من أن نسمع صدى كتابات المختصين في كافة المجالات لدى عامة الناس وهذا الأمر لا يقف عند حد الوعي القانوني بل يتعداه إلى المجالات الحياتية الأخرى كافة.

إنّ أشد ما يقلق البعض في القضايا التي يثيرها مجتمع المعرفة هو ما لها من آثار على الهوية والخصوصيات الثقافية، وهو قلق له ما يبرره في ظل ما نراه من محاولات قوى الهيمنة الاقتصادية تنميط سلوكيات البشر وثقافتهم في المجتمعات كافة وإخضاعها لنظام قيم وأنماط سلوك سائدة في المجتمع الأمريكي، إذ يحمل فيض الأفكار والمعلومات والصور والقيم القادمة إلى كثير من المجتمعات إمكانية تفجّر أزمة الهوية، التي أصبحت من المسائل الرئيسية التي تواجه التفكير الإنساني على المستوى العالمي . وفي سياق هذه الأزمة تنبعث العصبيات القبلية والطائفية والمذهبية والقومية الضيقة، وتزداد الرغبة في البحث عن الجذور وحماية الخصوصية .

 

اترك رد