مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور ابو الخير : لا تحاول أن تعيش في جلباب غيرك

 

 

قد يهمك ايضاً:

أحمد سلام يكتب ثائر خلده التاريخ

الحرب النووية وهلوسة الذكاء الاصطناعي

كن كما أنت لا تحاول أن تعيش في جلباب غيرك ولا تكن سطحيا تغتر بالمظاهر الخداعة ولا تترك الناس تهرول وراءك لكي تقلدك تقليدا أعمى وتتبنى نفس نظام حياتك على حساب نفسيتها وأسرتها ومحيطها كن حاضرا على مواقع التواصل الاجتماعي ولكن بذكاء
أنشر ما يمكن أن يفيد غيرك ويوعيه ويخدمه حافظ على نفسك وعلى خصوصيتك ولا تحول حياتك لكتاب مفتوح يطلع عليه الجميع لأنه بذلك أعطيتهم الحق المباشر في أن ينتقدوك ويلوموك وأن يعتبروا أنفسهم أوصياء عليك
مواقع التواصل الاجتماعي سيف ذو حدين تحتاج أن تتسلح ببعض الآليات حتى تتمكن من التعامل معها بذكاء وحرص شديدين حتى لا تقع في فخ تضخم الأنا والكبر والعجرفة وغيرها من أمراض النفس التي انتشرت في أوساط معشر بعض الفاعلين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي أن تصبح عبدا “للايكات” أو “الكومنتس” أو “شيرز” هذا مشكل حقيقي وقعت فيه دون أن تدرك خطورته أن تتفقد هاتفك أو حاسوبك مئات المرات حتى تتأكد من مدى انتشار صورتك أو منشورك هذا هوس انتشر في وجدانك دون أن تشعر، أن تتقلص قيمتك وتختزل في عدد متتبعي صفحتك هذا يعني أنك سلعة تستعملك بعض الأطراف متى احتاجت أن تروج لمنتوج معين أو خدمة معينة لما نشاهده اليوم من
الانفجار الرقمي والارتفاع المتزايد لمستعملي الإنترنت والبحث الدؤوب لتحقيق أعلى نسب للمشاهدة والنقر من خلال السعي وراء الإثارة الحصرية والفرجة الجماعية وبالتالي تحصيل أكبر ربح مادي الباب أمام المواقع الإلكترونية لتقديم بضاعتها التي تحقق لها هذا المراد دون أدنى تقييم فني أو بحث عن الأثر الإيجابي الناتج ضاربة عرض الحائط بضوابط ووظائف الرسالة الإعلامية وأهدافها و أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي من برنامج التيك توك واليوتيوب وكييك وسناب شات وإنستجرام وغيرها الكثير عوالم جاذبة لأغلب المتصفحين على مستوى جميع الأعمار و باتت أماكنهم الأكثر أريحية واستقطابا يتهافت عليها الجميع لكسر جمود الحياة اليومية وصراع لقمة العيش المضني ولذلك فقد تم الترويج لهذه المواقع بسهولة وبساطة مستغلين بذلك أسلوب الحياة العصرية السريعة من عبث ومهازل أخلاقية
ومن يتابع هذه المواقع سيرى بكل وضوح كمية الترهات والأعمال السخيفة والفارغة والتافهة التي تعرض عليها فإنه يتم نشر آلاف بل ملايين الفيديوهات والعروض الترفيهية المنوعة والتي تستهدف في أغلبها الجيل الجديد جيل الرقميات والحداثة التكنولوجية التي أصبحت جزءا لايتجزأ من حياتهم اليومية بل أصبحت هذه المواقع تبدع في كل مرة وتتفوق على نفسها في إنتاج مواد إعلامية
أو ترفيهية صادمة بالنظر إلى حجم التفاهة والعبث الذي تذهب إليه وفي أحايين أخرى الحضيض الذي تنزل إليه دونما أي انشغال بالقضايا الحقيقية التي تهم حياة المواطنين في العالم وجعلت هذه المواقع من الفضيحة والإثارة واستغلال مآسي الناس ومعاناتهم من خلال الخوض في حياتهم الخاصة والتشهير بهم ونشر فيديوهات تخترق خصوصياتهم وحياتهم بل أحياناً يبلغ الأمر حد محاكمتهم علناً أمام سلطة الشارع حتى أصبحت هذه السلوكيات وسيلة تقتات منها الكاميرا ومادة تتكسب منها تلك المواقع لا ينظر فيها إلا كونها تحقق أرقام مشاهدات عالية ومردودية مالية
واستغلالا لرغبات المتابعين لهذه المواقع في البحث عن الجديد والغريب ونتيجة لهذا التهافت الملفت لمتابعة كل ما هو غير مألوف واعتيادي وأصبح تسخيف المحتوى الإعلامي على تلك المنصات أشبه بضرورة ملحة وكلمة السر لنجاحها يراها القائم على صناعتها لتلقي الاهتمام المناسب والكافي وإن من أكبر مساوئ متابعة هذه الحسابات أن أغلب من يتابعها أو يشاهد تلك الفيديوهات المنشورة فيها والتي تسفر عن سطحية مفرطة يشعر بالامتلاء والتشبع من الأخبار الهامشية والفقيرة ويصبح نتيجة ذلك غير مستعد لمتابعة أخبار مصيرية مهمة وأحداث حيوية تناقش حياته وأحوال بلاده بمعنى أنها تحول متابعها إلى إنسان مهمش يعيش خارج واقعه وينشغل عن مهمات حياته إضافة إلى ذلك فإن هناك معركة أيديولوجية واختراقا صارخا لأخلاقياتنا وعاداتنا وتقاليدنا يتلازم يدا بيد ويتماشى خطوة خطوة مع الاستغراق الكامل لهذه المواقع التي تعمل بالخفاء لتتلاعب بموازين مجتمعاتنا المحافظة ومن نتائج تلك المتابعة الدائمة أنها تجعل أغلب المتابعين يعيش حياة ازدواجية ما بين الواقعية والافتراضية وكثير منهم يقوم بتقليد تلك المشاهدات ومحاكاتها من قبل الكبار قبل الصغار بلا اهتمام بالمعايير الأخلاقية المجتمعية والقيود القانونية رغبة في الشهرة أو وسيلة للهرب من واقع محبط أليم
ومن النتائج للأسف الشديد أن صنعة السخافة والتفاهة أصبحت بضاعة رائجة وبات البعض أحيانا يتصنع الجنون والآخر يتصنع البلاهة وآخرون يتصنعون (العظمة) ويمارسون الخفة في أتعس مفرداتها ووجدنا بعض من ينتسبون إلى الفن يعيشون ذات الدور في نرجسية وكبرياء بليد ظنا منهم أن المال يصنع الاحترام والاهتمام والذكاء والخلود كل ذلك بغية الحصول على متابعين وتحقيق شهرة زائفة تخفي خلفها عقولا فارغة ومستوى فكريا غير متوازن ومستقر ولكنها تستهوي جماهير عريضة خصوصا في سوق العرب وإن كانت غالبيتها تتابع للوناسة والضحك والتسلية
فالمشكلة أكبر من مجرد اختراق إعلامي أو مخالفة لأخلاقيات المهنة إنها أكبر من ذلك في الواقع فالعلماء والمفكرون والأطباء وأصحاب المواقع الجادة سواء على تويتر أو الانستجرام أو سناب شات مثلا تجد من يتابعهم ليستفيد من أفكارهم وآرائهم وعلمهم قلة قليلة في الوقت الذي تجد متابعي مروجي التفاهات بعشرات الآلاف وربما مئات الآلاف وهو مؤشر غير إيجابي على الإطلاق وواحدة أخرى خطيرة من عواقب متابعة هذه المواقع المفتوحة بلا قيود أنها أصبحت وسيلة للإغراء والإفساد ومحلا لاستعراض الأجساد ومرتعا للدعوة للفواحش ونشر الفجور وهذا مانشاهده حقيقة عري فج وممارسات لا أخلاقية تمارس وتشجع عليها بحجة الحرية الشخصية ولكنها تضرب في الصميم في أخلاقيات المجتمعات المسلمة وتهدم كل المبادئ والقيم للمجتمعات المحافظة وعلينا عدم السماح لكل مزاج هوائي وشيطاني أن يهزم عقولنا وقلوبنا وعلينا أن نستر أخلاقنا من هذا العري التافه بارتداء ثياب العقل والحكمة والأدب ومراجعة كل محتوى يتم نقله ووضعه على منصة المحاسبة الإلهية قبل كل شيء ثم محاسبة النفس ومعرفة مآلات هذا المشهد المزعج

التعليقات مغلقة.