يخرج الناس إلى الحياة وقلوبهم مليئة بما يكفيها لقد فرضت عليهم همومهم أن ينغمسوا فيها يتمرنون على أن يجعلوا حقيقتهم تتوارى خلف ما يبدو عليهم لكن تلك الأمور أقوى من تُبعدها الملامح كل شخص هو حكاية لا تزال تكتب كل شخص ينطوي على ظروف أجبرته أن يكون كما هو وكان بالإمكان أن يكون أفضل أو أسوأ كما كان بالإمكان أن لا يكون أبدا هكذا هي الحياة تستعصي على الفهم فلا أحد يقدر على استوعاب عبث الحياة لعلها تسير بشكل غريب وتدفع بالإنسان نحو ما لا يشتهي وأحيانا ما يشتهي لكن الغالب هو أنه يستسلم لما تفرضه ظروف الحياة فيحاول بكل عنفوانه أن يتربص بها لعلها تمنحه بعضا مما يريد لكن ما يريده هذا الكائن يصعب أن يأخذه بسهولة فالحياة لا تعطي بسخاء بل تجبرنا على أن ندفع الثمن وأحيانا ندفع الثمن غاليا هكذا نواجه ما تمليه علينا الحياة من ظروف فنضطر بكل إرادة أن نبدو أفضل مما نحن عليه لكن ظروفنا تغلبنا فنظهر بالشكل الذي يناسب ما فرضته علينا الحياة
ليس كل ما يتمناه المرء يدركه كثيرة هي الأمنيات وقلما نجد إلى تحقيقها سبيلا رغم أننا لم نحلم بأشياء عصية نحاول أن نحارب من أجل أمنياتنا وأحلامنا لكن ما تفرضه الحياة يؤجل دائما موعدنا مع الانتصار نتمنى ما يستعصي على التمني أحيانا ونؤمن بما نتمناه لعل هذا الايمان يفجر تلك الأمنيات لكن الأمور لا تسير بهذا المنطق إنها تسير بالشكل الذي هي عليه بالشكل الذي يجعلنا كما نبدو فقد نحقق من أمنياتنا كثيرا وقد لا نحقق شيئا هناك حرب نخوضها من أجل ذلك قد ننتصر لكن الهزيمة جزء من اللعبة أيضا وعندما نواجه الحياة نتوقع الأسوأ وهذا يعني أن حظوظ الانتصار ضئيلة بينما الهزيمة محتملة دائما وإذا انهزمنا فإننا نأخذ الأمر برحابة صدر هذا لأننا اعتدنا على الهزائم الانتصارات هي التي تثير فينا الاستغراب وعندما ننتصر نكون قد حققنا إنجازا لا نمل من تذكره
لكل شخص حكاية وكل فرد بمثابة حكاية تنسج خيوطها التي لم تكتمل بعد هذه الحكاية مليئة بالأحداث فلا يجد صاحبها بدا من ممارسة حياته بالشكل الذي يظن أنه فرض عليه نحن مجانين عندما نتحدث عن الحرية لأن الذين تمارس عليهم الحياة ضغوطها لا يعرفون الحرية أبدا هم فقط يقاومون ويواجهون وقد يستسلمون وقلما ينتصرون الخسران والهزيمة هو العنوان العريض لمن لم يجد نفسه على استعداد لمواجهة الحياة الحياة تصنع بالقوة ومن لم يمتلك هذه القوة تقتله الحياة بالقوة ليس لأن البقاء يكون دائما للأقوى ولكن ظروف الحياة تقهر الضعفاء ومن لم يجد ظروفا مناسبة لممارسة الحياة فهو في الغالب سيضطر لمواجهة الحياة والظروف هذا إذا أراد أن يعيش والحياة لا تسعفه في الاختيار هو الذي يختار ما يريد بين أن يواجه بطش الحياة لينال منها أو تمارس عليه الحياة عنفوانها قبل أن تضعه في الهامش أن تقاوم الظروف وأن تواجه عنفوان الحياة فذلك ليس سهلا بتاتا وليس في متناول أي شخص فالتسلح بالقوة في أشد لحظات الضعف لا يتسم بها إلا من يمتلكون في دواخلهم طاقة تسعفهم
لكل منا ظروف تنطوي عليها حكاياتنا نحاول أن نتوارى خلف الظروف لنظهر بشكل أفضل لكن ذلك لا يدوم طويلاً فماتدفعنا إليه الظروف يكشف عوراتنا فيجعلنا ضحايا لظروف لم نخترها أبدا ولم نكن لنختارها لو منحت لنا حرية الاختيار وهذا لا يعني بأننا لسنا أحرار نحن أحرار إلى حدود معينة إلى الحدود التي تفتك فيها بنا الظروف فنصير خاضعين للظروف التي جعلتنا نبدو بالشكل الذي نبدو عليه فما أسوأنا عندما تكون ظروفنا أقسى مما نرفض هكذا تبيح لنا الحياة ما لا نستسيغه فتجبرنا على اعتناق ما تجود به علينا من معاناة وقسوة ومرارة لا نملك حيالها في البداية إلا أن نواجهها ونفعل ذلك حفاظا على ماء الوجه لكن بقدر ما تشتد هذه المعركة نتوقع الهزيمة هذا لأننا لم نجد من يساندنا في هذه المعركة فنضطر بكل كبريائنا أن نستسلم نستسلم عندما تنهار قوانا ونستسلم عندما لا نجد بديلا من الاستسلام هذا لأن معركة الحياة تحمل بين طياتها هذا الاختيار وهناك اختيار آخر يتأسس على القوة وبما أن القوة لم تكن في متناولنا وقع اختيارنا على الاختيار الضعيف وما أسوأ الحياة حين تمتحنك كرها وأنت تعرف مسبقا بأنك ستنهزم
نتوقع الهزيمة عندما لا نملك الوسائل الممكنة لمواجهة الحياة وهذا لا يعني السقوط النهائي هذه الهزيمة مرتبطة بكل ما كنا نسعى إلى تحقيقه وكل ما كنا نرغب في أن نصيره وفي خضم معركة الحياة نجد أنفسنا محصورين في إطار لم نكن نملك حياله إلا أن نتقبله لأن ما تفرضه أمنياتنا لم يكن حليفا لنا فنتقبل بعضا مما تجود به علينا الحياة والحقيقة أن الحياة أوقفتنا عند ذلك الحد وجعلت مساعينا لا تصل إلى الهدف الذي كنا ننشده لأن الظروف لم تشاء أن تساير ما نطمح إليه
هناك من أرغمته على الخروج والذهاب في مسار جعله يندب حظه العاثر وسط مرارة الظروف وهناك من لم تتيح له الظروف فيجد نفسه في حال لا يحسد عليها وهناك من واجه الظروف ويحقق بعضا مما يسعى إليه وفي ظل كل هؤلاء هناك من ساعدته الظروف على أن يحلق عاليا ليس لأنه يجيد الطيران ولكن هناك من عرف كيف يروض هذا الظروف لصالحه فلم يجد حيالها إلا هذا التحليق ويترك الاخرين يسبحون في أحلامهم وآلامهم هذا لأن منطق الحياة لا يسير إلا لصالح القوي أو المقاوم
التعليقات مغلقة.